للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنه قد كان الوراء لإبراهيم -عليه السلام -، من جهة إسحاق وإسماعيل عليهما السلام، فلو قال من الوراء يعقوب لم يعلم أهذا الوراء منسوب إلى إسحاق أم إلى إسماعيل، فأضيف إلى إسحاق لينكشف المعنى، ومثل هذا من الإضافة قوله -عز وجل-: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص: ٧٤،٦٢]. يريد أين الشركاء المنسوبون إليّ بزعمكم، قال: ومن حمل وراء على (بعد) (١) لزم ظاهر العربية، إذ العرب تقول: ليس وراء هذا شيء أي بعده قال النابعة (٢):

حلفتُ فلم أتركْ لنفسكَ ريبةً .... وليس وراءَ الله للمرء مذهبُ

يعني: بعد الله، قال ورُفع يعقوب بـ (من) لأن المعنى فبشرناها [بإسحاق وبشرناها من وراء إسحاق] (٣) بيعقوب، فلما لم يظهر التبشير ثانيًا ولم يعد معه باء غلَّب الظاهر فرفع يعقوب بمن، وهو داخل بالتبشير في المعنى، كما تقول العرب: أمرت لزيد بإبل ولأخيه غنم، فيرفعون الغنم باللام والمعنى وأمرت لأخيه بغنم، فلما لم يعد الأمر مع الباء غلب الظاهر فرفعت الغنم بلام الصفة، وذلك منوي مراد.

وقال أبو إسحاق (٤): رفعه على ضربين؛ أحدهما: ابتداء مؤخر معناه التقديم، المعنى: ويعقوب يحدث لها من وراء إسحاق، وهذا هو القول الذي ذكره أبو بكر؛ لأن من رفعه بـ (من) جعله ابتداء مؤخرًا، كما تقول


(١) في (ي): (البعد).
(٢) النابغة الذبياني "ديوانه" ص ٢٧،وفي معاهد التنصيص ٧/ ٢ (مطلب) بدل (مذهب). "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٧٨.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ي).
(٤) "معانى القرآن وإعرابه" ٣/ ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>