للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للسموات والأرضِ وقتا تتغيران فيه عن هيئتهما، يقول الله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: ٤٨]، فأراد أنهم خالدون فيها مدة العالم، إلا ما شاء ربك من الزيادة المضاعفة لا إلى نهاية، و (إلا) هاهنا تكون بمعنى سوى أو (الواو) كما تقول في الكلام: لك عندي ألف إلا ألفين؛ أي سوى الألفين الذين لك عندي، والمعنى على هذا: خالدين فيها مقدار دوام السموات والأرض سوى ما شاء ربك أن يزيدهم من الخلود على مدة العالم، وهذا أحد قولي الفراء (١)، واحد قولي أهل اللغة فيما حكاه الزجاج (٢)، وذكرنا في مواضع من هذا الكتاب كون (إلا) بمعنى الواو وبمعنى سوى (٣).


(١) "معاني القرآن" ٢/ ٢٨.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٧٩.
(٣) ذهب الكوفيون وعلى رأسهم الفراء وثعلب -كما ذكر أبو حيان- ومن تبعهم كأبي عبيدة والأخفش والهروي وابن فارس والجرجاني وبعض أصحاب المعاجم كالجوهري وابن منظور والفيروزآبادي إلى أن (إلا) تأتي بمعنى الواو العاطفة، واحتجوا بكثرة مجيئه في كتاب الله وكلام العرب. وذهب البصريون ومن تبعهم كالطبري ومكي القيسي وأبي البركات الأنباري وابن مالك والمالقي والمرادي وابن عقيل وابن القيم إلى أن (إلا) لا تأتي بمعنى الواو، وعللوا صحة ما ذهبوا إليه بأمرين:
أحدهما: أن الأصل أن ينفرد كل حرف بمعنى، ولا يقع حرف بمعنيين؛ لما في ذلك من الاشتراك الملبس، وما صح منه عن العرب يقتصر عليه، ولا يقاس.
الثاني: أن (إلا) للاستثناء، وهو إخراج الثاني من حكم الأول، والواو للجميع، وهو يقتضي إدخال الثاني في حكم الأول، فلا يكون أحدهما بمعنى الآخر؛ لأن المعنيين متباينان. وأجابوا عما احتج به الكوفيون من الآيات والأبيات بأنها جميعًا محمولة على الاستثناء المنقطع. =

<<  <  ج: ص:  >  >>