للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ووصفته (١)، فأراد الله بقوله: (مثل الجنة) أي: صورتها وصفتها، ومثله قوله: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} [الفتح: ٢٩] أي: ذلك وصفهم؛ لأنه لم يضرب لهم مثلًا في أول الكلام، ويؤيد هذا المعنى ما حكاه الفراء (٢) بإسناده، أن عليًّا رضي الله عنه قرأ: (أمثال الجنة)، قال الفراء: يقول: صفات الجنة، فجمع الأمثال لما أتت بعدها أوصاف، ومثل هذا من الكلام قول العرب: حلية فلان أسمر. أي القول في وصفه هذا، فأسمر يرتفع بإضمار هو.

وأنكر المبرد (٣) هذا القول، وقال: من قال: إن معناه صفة الجنة، فقد أخطأ، (مثل) لا يوضع موضع صفة؛ إنما يقال: صفة زيد أنه ظريف وأنه عاقل، ولا يقال: زيد مثل فلان، إنما المثل مأخوذ من المثال، والصفة تحلية ونعت.

قال أبو علي (٤): قول من قال: معنى (مثل الجنة)؛ صفة الجنة، غير مستقيم، ودلالة اللغة تدفع ذلك، ولا يوجد المثل في اللغة بمعنى الصفة، إنما معنى المثل الشبه، في جميع مواضعه ومتصرفاته، من ذلك قولهم: ضربت مثلا، فالمثل إنما هو الكلمة التي يرسلها قائلها محكمة (٥) ليشبه بها الأمور، ويقابل بها الأحوال، ومن ذلك قولهم للقصاص: المثال، وتماثل العليل، إذا تقاربت أحواله أن تشابه أحوال الصحة، والطريقة المثلى، إنما


(١) إحدى الواوين ساقطة من (ب).
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٦٥، والقراءة في "الكشاف" ٢/ ٣٦٢.
(٣) "تهذيب اللغة" (مثل) ٤/ ٣٣٤١.
(٤) النقل من "الإغفال" للفارسي ٢/ ٩١٠.
(٥) في "الإغفال" ٢/ ٩١٢: (محكية).

<<  <  ج: ص:  >  >>