للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{لَمُنَجُّوهُمْ} فعادت إلى القوم المجرمين؛ لأنه استثناء بعد استثناء، فتعود إلى المستثنى منه أولاً؛ كما تقول: لفلان عليّ خمسة إلا درهمين إلا درهمًا، فيصير هذا إقرارًا بأربعة (١).

وقوله تعالى: {قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} معنى التقدير في الغة: جعل الشيء على مقدار غيره، يقال: قَدِّر هذا الشيء بهذا، أي: اجعله على مقداره (٢)، وقدَّر الإلهُ الأقواتَ، أي: جعلها على مقدار الكفاية، ثم يفسر التقدير بالقضاء؛ فيقال: قضى الله عليه كذا، وقدَّره عليه؛ أي: جعله على مقدار ما يكفي في الخير والشر، وقيل في معنى قدّرنا هاهنا: كتبنا (٣)، وحكى الزجاج: دبَّرنا (٤)، وقيل: قضينا (٥)، وقرأ عا صم في رواية


(١) وقد وافق الزمخشري على أنه استثناء من الضمير، ولم يوافق على التعليل؛ بدعوى أن الاستثناء بعد الاستثناء إنما يصح عند اتحاد الحكم؛ كالمثال الذي ذكره الواحدي -رحمه الله- وكقول المطلق: أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين إلا واحدة، أما هنا فقد اختلف الحكمان؛ لأن (آل لوط) متعلق بأرسلنا أو بمجرمين، و (إلا امرأته) قد تعلق بمنجوهم، فكيف يكون استثناء بعد استثناء؟؟! يمكن اعتباره لو قيل: أهلكناهم إلا آل لوط إلا امرأته. انظر: "تفسير الزمخشري" ٢/ ٣١٦، وذهب أبو البركات بن الأنباري إلى أنه استثناء من النفي؛ أي من (آل لوط) فيكون إيجاباً؛ وذلك أن الاستثناء من الإيجاب نفي، ومن النفي إيجاب، وهنا استثنى آل لوط من المجرمين، فلم يدخلوا في الإهلاك، ثم استثنى من آل لوط امرأته؛ فدخلت في الهلاك. انظر: "البيان في غريب إعراب القرآن" ٢/ ٧١، و"تفسير أبي حيان" ٥/ ٤٦٠.
(٢) انظر: "المفردات" ص ٦٥٨، (قدر) في "اللسان" ٦/ ٣٥٧٨، "التاج" ٧/ ٣٧٠.
(٣) ورد منسوباً إلى علي بن عيسى في "تفسير الماوردي" ٣/ ١٦٤، وانظر: "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٤٣، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٣٧.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨١ بلفظه.
(٥) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٩ ب بلفظه، وورد منسوباً إلى النخعي في "تفسير =

<<  <  ج: ص:  >  >>