للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التفهم والإجابة كما قال -عز وجل -: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى} [العلق: ١١]، والدليل على ذلك أن الفاء في قوله: {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} يدل على أنه جواب لمعنى يقتضي الفاء، والتأويل: إن شاء الله أرأيت. أي: اسمع وتفهم فإني نسيت الحوت) (١). ونحو هذا قال أبو علي الفارسي: (وأما ما جاء أرأيت فيه بمعنى انتبه فقوله: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} كأن المعنى: انتبه فإني نسيت الحوت، ولذلك دخلت الفاء كما تدخل في جواب الجزاء. ومثله: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ} [الملك: ٣٠]، كأنه انتبهوا فمن يأتيكم) (٢).

وقوله تعالى: {إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} يعني: حين نزلا هناك ووضع يوشع المكتل الذي فيه الحوت عند الصخرة.

وقوله تعالى: {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} قال ابن عباس في حديث أبي بن كعب مرفوعًا: (فإني نسيت الحوت أن أحدثكه) (٣). وعلى هذا المعنى نسيت قصة الحوت وأمره على ما ذكرنا. ثم اعتذر فقال: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} وذلك؛ لأنه لو ذكر لموسى قصة الحوت عند الصخرة ما جاوزها موسى، وما ناله النصب الذي شكاه في قوله: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} فاعتذر فتاه من ذلك بأن أنساه الشيطان إياه. قال أهل المعاني: (معناه شغل قلبي بوسوسته حتى نسيته؛ لأن الشيطان لا يقدر على فعل النسيان وإنما عرضه له) (٤).


(١) ذكر أبو علي الفارسي نحوه في "الحجة للقراء السبعة" ٣/ ٣٠٩.
(٢) ذكر نحوه في "الحجة للقراء السبعة" ٣/ ٣٠٩.
(٣) سبق تخريج الحديث في أول القصة.
(٤) "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٤، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>