للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= المراسيل، وهي سبعة، صحَّ إسناد أربعة منها، وهي مرسل سعيد بن جبير وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وأبي العالية، ومرسل قتادة، وهي مراسيل يرد عليها أحد الاحتمالين السابقين لأنَّهم من طبقة واحدة: فوفاة سعيد بن جبير سنة (٩٠ هـ)، وقتادة سنة بضع عشرة ومائة، والأول كوفي، والثاني مدني، والأخيران بصريان. فجائز أن يكون مصدرهم الذي أخذوا منه هذه القصّة وروها عنه واحدًا لا غير مجهول، وجائز أن يكون جمعًا ولكنهم ضعفاء جميعًا.
فمع هذه الاحتمالات لا يمكن أن تطمئن النفس لقبول حديثهم هذا، لا سيما في مثل هذا الحدث العظيم الذي يمسَّ المقام الكريم، فلا جرم تتابع العلماء على إنكارها، بل التنديد ببطلانها. اهـ
الفريق الثاني: القائلون ببطلانها.
وهؤلاء قالوا: هذه الرواية معلولة بالضعف والإرسال، فليس في رواياتها ما يصلح للاحتجاج، ثم أن مما يؤكد ضعفها وبطلانها ما في متنها من النكارة مما لا يليق بمقام النبوة والرسالة، فقد جاء في تلك الروايات أن الشيطان تكلَّم على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- بتلك الكلمات التي تمدح آلهة المشركين.
وهذا الأمر قد دل الكتاب والسنّة والنظر على بطلانه.
فأما القرآن فدل على بطلانه من جهتين:
الجهة الأولى: دلالة آيات القرآن على وجه العموم على بطلان هذا القول، فقد قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: ٤١ - ٤٢]، وقال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: ٢٢١ - ٢٢٢]، وقال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣ - ٤].
فهذه الآيات وغيرها دالة على بطلان القول بإلقاء الشيطان على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك المقالة.
وقال الشنقيطي -رحمه الله- في "أضواء البيان" ٥/ ٧٢٩: قد دلَّت آيات قرآنية على بطلان هذا القول، وهي الآيات الدالة على أن الله لم يجعل للشيطان سلطانًا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وإخوانه من الرسل وأتباعهم المخلصين كقوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ =

<<  <  ج: ص:  >  >>