للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال الفراء: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ} عند عمله يقول: قدم على الله فوفاه حسابه (١).

وقال صاحب النظم في هذه الآية: هذا نظم غامض؛ لأنَّه -عز وجل- وصف أعمال الكفار التي يريدون بها البرَّ في الدنيا بأنَّها (٢) تبطل في الآخرة ولا تنفعهم شيئًا، فشبهها بالسراب الذي يحسب الظمآن أنه ماء فإذا جاءه لم يجده شيئًا، كذلك الكفار في أعمالهم لا تنفعهم ولا تُقبل منهم فهي كأنَّها لا شيء، وقوله {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ} متصل بالظمآن دون الكفار، إلا أنَّه -عز وجل- لما جعل الظمآن والسَّراب مثلًا للكفار في بُطول أعمالهم، أقامه (٣) مقامهم فيما يصير إليه عاقبة أمورهم، فقال {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} فجاء بذكر الظمآن على التوحيد، والمعني (٤) به الكفّار؛ لأنَّ الظمآن هاهنا مثل لا عين يقصد بالخبر، والعين المقصود بالخبر هم الكفّار، وهم يُوفَّون الحساب، يدلك (٥) على ذلك قوله: {فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [وهذا لا يحتمل اتصاله بالظمآن: لأنَّه لا يكون هنالك حساب، وإنّما الحساب في الآخرة. هذا كلامه.

ومعنى هذا أن قوله {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ} في الظاهر خبر عن الظمآن، والمراد به الخبر عن الكفار، ولكن لما ضرب الظمآن مثلًا للكفار جعل الخبر عنه كالخبر عنهم.


(١) "معاني القرآن" ٢/ ٢٥٤.
(٢) في (ع): (وأنَّها).
(٣) في (ع): (قامه).
(٤) في (ع): (المعني).
(٥) في (ع): (يدل).

<<  <  ج: ص:  >  >>