للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أبو إسحاق: إذا كان يوم القيامة أكل يده ندمًا، وتمنى أنه آمن (١).

وقال أبو القاسم الزجاجي: هكذا يعض على يديه يوم القيامة ندمًا وحسرة على كفره بالله. والعض على اليد يجري عندهم مجرى معاقبة اليد بما صنعت، وإن لم تكن لليد في (٢) الكفر صنيع؛ فإن الله تعالى قد أسند الفعل إليها، فقال: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [الأنفال: ٥١] وذلك: أن مباشرة الذنوب بها، فاللائمة ترجع عليها (٣)؛ لأنها هي الجارحة العظمى فيسند إليها ما لم تباشره. ونظير ذلك قوله تعالى: {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} [الكهف: ٤٢] وقد مَرَّ (٤).

قوله تعالى: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} قُرأ: (يَلَيْتَنِي) بسكون الياء، وفتحها (٥). والأصل التحريك؛ لأنها بإزاء الكاف التي


(١) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٦٥. وذكره الثعلبي ٨/ ٩٥ ب، بمعناه
(٢) في (أ)، (ب): (على) بدل: (في).
(٣) في (ج): (إليها).
(٤) قال الواحدي في تفسير قول الله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [الأنفال: ٥١]: قال ابن عباس: جرحت قلوبكم. قال أهل المعاني: إنما قال: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} مع أن اليد لا تعقل شيئاً للبيان عن أن اعتقاد الكفر بالقلب بمنزلة ما يعمل باليد في الجناية، ولذلك لم يذكر القلوب وإن كان بها معتمد العصيان؛ لأن القصد إظهار ما تقع به الجنايات في غالب الأمر وتعارف الناس.
وقال الواحدي في تفسير آية الكهف: قال أبو عبيدة والزجاج والمفضل وابن قتيبة: فلان يقلب كفيه على ما فاته، وتقليب الكفين يفعله النادم كثيرًا، والعرب تقول للرجل إذا ندم على الشيء وجعل يفكر فيه: يقلب يديه وكفيه لأن ذلك يكثر من فعله فصار تقليل الكف عبارة عن الندم كعض اليد.
(٥) قرأ بفتح الياء، أبو عمرو. وأسكنها الباقون. "السبعة" ص ٤٦٤. و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>