للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الرعد: ٥] أخبر جل جلاله أنه عجيب، ومما يزيده تصديقًا الحديث المرفوع: "لقد عجيب الله البارحة من فلان وفلادة" (١).

وقال الفراء: (العجب وإن أسند إلى الله فليس معناه من الله كمعناه من العباد، ألا ترى أنه قال: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: ٧٩]. وليس السُخْرِيّ من الله كمعناه من العباد) (٢).

وقال أبو إسحاق: (العجب من الله خلاف العجب من الآدميين هذا كما قال: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال: ٣٠]، وقال: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: ٧٩]، وقال: {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: ١٤٢] , والمكر من الله والخداع خلافه من الآدميين. وأصل العجب في اللغة أن الإنسان إذا رأى ما ينكره ويقل مثله قال عجبت من كذا وكذا، وكذلك إذا فعل الآدميون ما ينكره الله -عز وجل- جاز أن يقول: عجبت. والله -عز وجل- قد علم الشيء قبل كونه، ولكن الإنكار والعجب الذي به تلزم الحجة عند وقوع الشيء انتهى كلامه) (٣).


(١) هذا جزء من حديث طويل أخرجه البخاري في "صحيحه" كتاب التفسير، باب ويؤثرون على أنفسهم ٤/ ١٨٤٥ رقم ٤٦٠٧، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى رجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أصابني الجهدُ، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا رجل يُضَيَّفه هذه الليلة". فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فذهب إلى أهله فقال لامرأته: ضيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تدَّخريه شيئًا. قالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية. قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنَومِّيهم وتعالى فاطفئي السراج ونطوي بطوننا الليلة ففعلت. ثم غدا الرجل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "لقد عجب الله -عز وجل-، أو ضحك من فلانٍ وفلانةٍ" فأنزل الله -عز وجل -: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٣٨٤.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٣٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>