وأيضًا فلا ريب أن الذبيح كان بمكة، ولذلك جعلت القرابين يوم النحر بها، كما جعل السعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار، تذكيرًا بشأن إسماعيل وأمِّه، وإقامة لذكر الله، ومعلوم أن إسماعيل وأمه هما اللذان كانا بمكة دون إسحاق وأمه ... وأيضًا فإن الله سبحانه سمى الذبيح حليمًا, لأنه لا أحلم ممن أسلم نفسه للذبح طاعة لربه، ولما ذكر إسحاق سماه عليماً في قوله: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: ٢٨]. هذه بعض أدلة القائلين بأن الذبيح هو إسماعيل -عليه السلام-. وأما القائلون بأنه إسحاق فاستدلوا بآثار عن بعض الصحابة والتابعين، وهي كلها ضعيفة لا ترقى لقوة أدلة مخالفيهم. يقول الحافظ ابن كثير في "تفسيره" ٤/ ١٧ بعد أن ذكر أقوال بعض الصحابة والتابعين في أن الذبيح إسحاق يقول: وهذه الأقوال -والله أعلم- كلها مأخوذة عن كعب الأحبار، فإنه لما أسلم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر -رضي الله عنه- عن كتب قديمة، فربما استمع له عمر -رضي الله عنه- فترخص الناس في استماع ما عنده، ونقلوا ما عنده عنه غثها وسمينها, وليس لهذه الأمة حاجة إلى حرف واحد مما عنده ا. هـ. انظر في هذه المسألة بتوسع: "تفسير ابن جرير الطبري" ٢٣/ ٨١ وما بعدها، "مجموع فتاوى ابن تيمية" ٤/ ٣٣١ وما بعدها، "روح المعاني" ٢٣/ ١٣٤، "زاد المعاد في هدي خير العباد" ١/ ٧١ وما بعدها، "تفسير ابن كثير" ٤/ ١٧، "الكامل في التاريخ" لابن الأثير ١/ ١٠٨،"تفسير القاسمي محاسن التأويل" ٨/ ١٢٠، "القول الفصيح في تعيين الذبيح" للسيوطي، ومعه كتاب "القول الصحيح في تعيين الذبيح" لإبراهيم الحازمي، كُتيب من القطع الصغير بحدود ٩٠ صفحة، ذكر فيه مؤلفه رحمه الله ومحققه وفقه الله الأقوال وأدلتها بشيء من التوسع.