للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال المبرد: ومعنى الآية أنه رأى شيئًا فصدق فيه (١).

وقال أبو الهيثم: أي لم يكذب الفؤاد رؤيته و (مَا رَأَى) بمعنى الرؤية. يقال: ما أوهمه الفؤاد أنه رأى ولم (٢) ير، بل صدقه الفؤاد رؤيته (٣)، وعلي هذا (مَا رَأَى) مصدر في موضمع النصب؛ لأنه مفعول كذب.

وقرأ ابن عامر (مَا كَذَّبَ) بالتشديد (٤)، قال المبرد: ومعناه أنه رأى شيئًا بقلبه. قال: وفي هذه القراءة بعد؛ لأنه إذا رأى بقلبه فقد علمه أيضًا بقلبه، وإذا وقع العلم فلا تكذيب معه, لأن القلب يكذب ويصدق فإذا كان الشيء في القلب معلومًا فكيف يكون معه تكذيب، وهذا على ما قال المبرد إذا جعلت الرؤية للفؤاد، فإن جعلتها للعين زال هذا الإشكال وصح هذا المعنى، فيقال: ما كذب فؤاده ما رآه ببصره (٥).


(١) انظر: "التفسير الكبير" ٢٨/ ٢٨٩.
(٢) في (ك): (أي لم) والصواب ما أثبته.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" ١٠/ ١٧٠، و"اللسان" ٣/ ٢٣٣ (كذب).
(٤) قرأ أبو جعفر، وابن عامر في رواية هشام: (ما كَذَب) مشددة، وقرأ ابن عامر في رواية ابن ذكران وبقية العشرة (ما كَذَبَ) مخففة. انظر: "حجة القراءات" ص ٦٥، و"النشر" ٢/ ٣٩، و"الإتحاف" ص ٤٠٢.
(٥) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٩٥، و"إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٢٦٤، قال ابن جرير في معنى قراءة التشديد: إن الفؤاد لم يكذب الذي رأى، ولكنه جعله حقًّا وصدقًا، وقد يحتمل أن يكون معناه إذا قرئ كذلك ما كذب صاحب الفؤاد ما رأى .. لذا هو أولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ بالتخفيف لإجماع الحجة من القراء عليه، والأخرى غير مدفوعة صحتها لصحة معناها. "جامع البيان" ٢٧/ ٢٩. قلت: وإذا أمكن توجيه القراءة وحملها على وجه صحيح فلا مجال لردها، كيف وقد صحت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعندها فلا قبول لقول أحد بعد صحتها عن أفصح العرب -صلى الله عليه وسلم- مهما بلغت درجته ومنزلته ونسأل الله له المغفرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>