قلت: وما ذكره ابن كثير -رحمه الله- عن البغوي هو كلام الواحدي، وإنما نقله البغوي عنه. والخلاف في هذه المسألة مشهور، وبقول كلِّ قال أناس من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، والنصوص الواردة في هذا الباب لا تؤيد وجهة أحدهما, ولهذا نقل القاضي عياض عن بعض مشايخه التوقف ورجحه القرطبي. انظر: "فتح القدير" ٨/ ٦٠٨، و"روح المعاني" ٢٧/ ٥٣. وحكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على أنه لم يره. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وليس قول ابن عباس "أنه رآه" مناقضًا لهذا, ولا قوله (رآه بفؤاده) وقد صح عنه أنه قال: (رأيت ربي تبارك وتعالى) ولكن لم يكن هذا في الإسراء، ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح. وأما الرؤية فالذي ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: (رأى محمد ربه بفؤاده مرتين) وعائشة أنكرت الرؤيقى فمن الناس من جمع بينهما فقال: عائشة أنكرت رؤية العين، وابن عباس أثبت رؤية الفؤاد ... والألفاظ الثابتة عن ابن عباس هي مطلقة أو مقيدة بالفؤاد تارة .. ولم يثبت عن ابن عباس لفظ صريح بأنه رآه بعينه. وكذلك الإمام أحمد .. لكن طائفة من أصحابه سمعوا بعض كلامه المطلق ففهموا منه رؤية العين، كما سمع بعض الناس مطلق كلام ابن عباس ففهم منه رؤية العين. "مجموع الفتاوى" ٦/ ٥٠٧، ٥٠٩. قلت: وبهذا الكلام النفيس يتبين اتفاق الصحابة -رضوان الله عليهم- على أنه لم يره بعينه، والله أعلم. وانظر: "زاد المعاد" ٣/ ٣٧، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٥٠ - ٢٥١، و"شرح العقيدة الطحاوية" ٢/ ٢٢٢ - ٢٦، و"تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة" ٢/ ٨٣٥ - ٨٤١.