للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والآخر: ما يكون بناؤه على الحركةِ لالتقاء الساكنين، نحو: كيف، وأين، وأيان، وثم، وأولاء، وحذارِ، ومنذ. وكل هذه الأسماء المبنيات مع اختلافها فالعلة الموجبة لبنائها مشابهتها الحروف، ومضارعتها لها، ولذلك بني هذا الاسم أيضا لا للإبهام، لأن الإبهام لا يوجب البناء. ألا ترى أن قولنا: (شيء) من أعمّ ما يتكلم به وأبهمه، وهو معرب غير مبني، و (مكان) أَبْهَمُ من قولنا: ثم؛ لأنه للداني والقاصي (١)، وهو مع إبهامه معرب، فبانَ أنّ بناءه ليس لإبهامه، وإنما هو لتضمُّنه معنى الحرف واختزاله عنه، وذلك أنّ هذا الاسم لمّا كان معرفةً، وكان حكم المعرَّف أن يكون بحرف ولم يذكر، بُنيَ ولم يُعرَبْ؛ لتضمّنه معنى الحرف الذي به يكون التعريف والعهد. ألا ترى أن (ثَمَّ) لا تستعمله إلا في مكان معهود معروف. (٢) لمخاطبك، فإن لم تعرفه لم تعبر عنه بذلك، فتحقيق العلة في هذا وشرحه ما ذكرنا، دون ما ذكره من الإبهام (٣).

وقوله تعالى: {وَجْهُ اللَّهِ} قال أكثر المفسرين (٤): الوجه: صلة، معناه: فثمَّ الله. كقوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: ٤]، والمعنى: فثم الله يَعْلَمُ وَيرَى (٥). و (الوجه) قد ورد صلة مع اسم الله كثيرًا، كقوله:


(١) في "الإغفال": ومكان أبهم من قولنا ثم وكذلك؛ لأنهما يقعان على المواضع الدانية والقاصية.
(٢) في (ش): (معروف معهود).
(٣) "الإغفال" ٣٨٣ - ٣٨٥ بتصرف واختصار.
(٤) بين شيخ الإسلام في "الفتاوى" ٢/ ٤٢٨ أن جمهور السلف على القول بأن المعنى: فثم قبلة الله ووجهة الله.
(٥) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>