للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإلى هذا ذهب أبو حنيفة: أن الجاني إذا لاذ بالحرم أمن (١)، ومذهب الشافعي: أنه لا يأمن بالالتجاء إليه، وُيسْتَوفى منه ما وجب عليه في الحرم (٢) (٣)، على ما قد روي في الخبر: لا يعيذ الحرم عاصيًا (٤).

وعلى هذا فمعنى قوله: {وَأَمْنًا} الأولى أن يأمن فيه الجاني، فإن أخيف بإقامة الحد عليه جاز، فقد قال كثير من المفسرين: من شاء أمن، ومن شاء لم يؤمن، كما أنه لما جعله مثابة من شاء ثاب ومن شاء لم يثب، وقد كان قبل الإسلام يرى الرجلُ قاتلَ أبيه في الحرم فلا يتعرض له، وهذا شيء كانوا توارثوه من دين إسماعيل، فبقُوا عليه إلى أيام النبي - صلى الله عليه وسلم -، فاليوم من أصاب فيه جريرةً أقيم عليه الحد بالإجماع (٥).


= وقد روي بعضه عن بعض التابعين كما عند الطبري ١/ ٥٣٤، ابن أبي حاتم ١/ ٢٢٥.
(١) ينظر: "شرح السير الكبير" للسرخسي ١/ ٣٦٦ (ط. الشركة الشرقية)، "كشف الأسرار" للبزدوي ١/ ٢٩٦، قال في "المغني" ٩/ ٩٠ (ط. دار احياء التراث العربي): وهذا قول ابن عباس، وعطاء، وعبيد بن عمير، والزهري ومجاهد وإسحاق والشعبي وأبي حنيفة وأصحابه. وأحمد بن حنبل في القتل وأما في غيره فعنه روايتان.
(٢) ينظر: "الأم" للشافعي ٤/ ٢٩٠، وبه قال مالك وابن المنذر كما في "المغني" ٩/ ٩٠.
(٣) ساقطة من (أ)، (م).
(٤) ذكره البخاري (١٠٤) كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، ومسلم (١٣٥٤) كتاب الحج، باب: تحريم مكة وصيده، قال ابن حجر: كلام ظاهره حق لكن أراد به الباطل، "الفتح" ١/ ١٩٩ وقال في "المغني" ٩/ ٩١: وما رووه من الحديث فهو من كلام عمرو بن سعيد الأشدق يرد به قول رسول - صلى الله عليه وسلم - حين روى له أبو شريح هذا الحديث [يعني إن الله حرم مكة] وقول الرسول أحق أن يتبع.
(٥) ينظر الخلاف الفقهي فيه في: "تفسير الطبري" ٤/ ١١ - ١٥، "غرائب النيسابوري" ١/ ٣٩٤، "الوسيط" ١/ ٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>