للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا القول: ومثلهم في عبادتهم الأصنام كمثل الناعق بشيء لا يسمع منه الناعقُ إلا دعاءه ونداءه؛ لأن الصدى هو صوته عاد إليه، وذلك أنه إذا قال: يا زيد، سمع من الصدى يا زيد، وليس وراء القول شيء، إلا أنَّ يخيل إليه أن مجيبًا يجيبه، فيقول: يا زيد، وليس فيه فائدة. فكذلك يخيل إلى هؤلاء المشركين أن دعاءهم للأصنام يستجاب، وليس لذلك (١) حقيقة ولا فيه فائدة، والسمع على هذا في قوله: (لا يسمع) منفي عن الناعق لا عن المنعوق به (٢).

قال ابن الأنباري: ويجوز على هذا القول أيضًا: أن يكون السمع منفيًا عن المنعوق به، فيكون المعنى: كمثل الذي ينعق بما لا يسمع ألبتة (٣). والدعاءُ والنداءُ ينتصبان بـ (ينعق)، و (إلا) توكيد هاهنا، معناها السقوط، كقول الفرزدق:

هم القوم إلا حيث سلّوا سيوفهم ... وضَحَّوا بلحم من مُحِلٍّ ومُحرِمِ (٤)

معناه: هم القوم حيث سلّوا سيوفهم (٥). انتهى كلامه.

والتقدير الأول في هذا المعنى أولى مما ذكره أبو بكر؛ لأن السمع إذا كان منفيًّا عن المنعوق به لم يكن للجبل اختصاص بالنعيق به؛ لأن غير الجبل من القفار والرمال والأشجار لا يسمع ألبتة أيضًا، وفي نفي السمع


(١) في (م): (مستجاب وليس كذلك).
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٨١، والثعلبي ١/ ٣٣٩، والسمعاني ٢/ ١٢٨، والبغوي ١/ ١٨١، والرازي ٥/ ٩.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٨١
(٤) البيت للفرزدق في "ديوانه" ص ٢٠٠.
(٥) من قوله: (معناه هم). ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>