للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ}، إنما انتقل إبراهيم من الحجة الأولى مع إمكانه أن يناقضه بأن يقول له: أحيي من قتلته إن كنت صادقًا، قطعًا للخصومهَ، وتركًا للإطالة، واحتجاجًا بالحجة المسكتة، لأن عدوّ الله لما لبس في الحجة بأن قال: أنا أفعل ذلك، احتج عليه إبراهيم بحجة لا يمكنه فيه (١) أن يقول: أنا أفعل ذلك، ولو قال ذلك بان عجزه وافتضاحه، ولزمه من الحجة ما لا سبيل إلى التدليس فيه، وصار كلام إبراهيم عليه السلام قدوةً للمجادِل إذا تمرَّد الخصمُ (٢) وقصدَ التلبيسَ بالمحالِ، وكان الإدلاء في الحجة الأخرى مما يقطعه ويفحمه فالصواب ذكرها، ولا يكون تركُ الأُولى انتقالًا لعجز، ولكه تنبيهٌ على قِلةِ عَقْلِ الخصم، أو على تعسفه في الكلام (٣).

فإن قيل: كان للنمرود أن يقول لإبراهيم: فليأت بها ربك من المغرب، قيل: علم بما رأى من الآيات أنه يفعل فيزداد (٤) فضيحةً؛ لأن هذه المحاجة (٥) كانت مع إبراهيم بعد إلقائه في النار، وخروجه منها سالمًا، فعلمَ أنَّ من قَدَرَ على حفظ إبراهيم في تلك النار العظيمة من الاحتراقِ، يَقْدِرُ على أن يأتي بالشمس من المغرب، وقيل: إن الله تعالى خذله عن التلبيس (٦) بالشبهة نصرة لنبيه.


(١) ساقط من (ي).
(٢) في (ي): (للخصم).
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٩٢.
(٤) في (م): (ليزداد).
(٥) في (ي): (المحاججة).
(٦) في (م): (التلبيس).

<<  <  ج: ص:  >  >>