للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأما التفسير: فقال قتادة: إن آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونًا، وذلك عَلَم لأكلة الربا يعرفهم به أهل الموقف، يُعْلَم أنهم أكلة الربا في الدنيا، يبعثون وبهم خبْلٌ من الشيطان (١). قال الزجاج: لا يقومون في الآخرة إلا كما يقوم المجنون من حال جنونه (٢). فعلى هذا معنى الآية: أنهم يقومون مجانين كمن أصابه الشيطان بجنون.

وقال ابن قتيبة: يريد: أنه إذا بعث الناس من قبورهم خرجوا مسرعين، لقوله: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا} [المعارج: ٤٣] إلا أكلةُ الرِّبا، فإنهم يقومون فيسقطون، كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان ويسقط؛ لأنهم أكلوا الرِّبَا في الدنيا فأرباه الله في بطونهم يوم القيامة حتى أثقلهم، فهم ينهضون ويسقطون، ويريدون الإسراع فلا يقدرون (٣)، وهذا المعنى غير الأول؛ لأنه يريد أن أكلة الربا لا يمكنهم الإسراع في المشي، كالذي خَبَّله الشيطان وأصابه (٤) بخبل في أعضائه من عَرَجٍ أو زَمَانة، فهو يقوم ويسقط، وهذا ليس من الجنون في شيء، والأول قول أهل التفسير، ويؤكد هذا الثاني: ما روي في قصة الإسراء: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انطلق به جبريل إلى


= "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٣٩٤ - ٣٣٩٥، "المفردات" ص ٤٧٠، "اللسان" ٧/ ٤٢٠١ - ٤٢٠٢، قال الراغب: المس كاللمس، لكن اللمس قد يقال لطلب الشيء وإن لم يوجد كما قال الشاعر: وألمسه فلا أجده. والمس يقال فيما يكون معه إدراك بحاسة اللمس، واللمس يقال في كل ما ينال الإنسان من أذى:
(١) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ١١٠، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١٠٢، وذكره ابن أبى حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٤٤.
(٢) "معاني القرآن" ١/ ٣٥٨.
(٣) ذكره ابن الجوزي عنه في "زاد المسير" ١/ ٣٣٠.
(٤) في (ي) (فأصابه).

<<  <  ج: ص:  >  >>