للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مثقال ذرة، ثم أغفر لمن شئت، وأعذب من شئت، فأما المؤمنون فيخبرهم بذلك كله، ويغفر لهم، ولا يؤاخذهم إظهارًا لفضله، وأما الكافرون فيخبرهم بها، ويعاقبهم عليها، إظهارًا لعدله.

فمعنى الآية: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} فتعملوا به {تُخْفُوهُ} مما أضمرتم ونويتم {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ} ويخبركم به، ويعرفكم إياه، فيغفر للمؤمنين، ويعذب الكافرين. يدل على هذا قوله: {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ} ولم يقل: يؤاخذكم، والمحاسبة غير المعاقبة، فالحِسَابُ ثابتٌ والعِقَابُ ساقط (١).

وروى الضحاك عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ما حدَّث العبد به نفسه (٢) من شرٍّ كانت محاسبةُ الله له عليه بِغَمٍّ يبتليه به في الدنيا أو حُزْنٍ


(١) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٤٣ - ١٨٤٣، وذكر حديثين يتأيد بهما هذا القول: الأول: حديث النجوى عن ابن عمر مرفوعا: "يدنو العبد من ربه حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف كذا؟ فيقول: رب أعرف، فيوقفه على ذنوبه ذنبا ذنبا، فيقول الله عز وجل: أنا الذي سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، لا نطلع على ذلك ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا"، وأما الكفار والمنافقون فينادون على رؤوس الأشهاد {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: ١٨] رواه البخاري في المظالم، باب: قوله تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} ٣/ ١٣٤ برقم (٢٤٤١)، ومسلم في التوبة، باب: قبول توبة القاتل وإن كثر قتله ٤/ ٢١٢٠ برقم (٢٧٦٨). والثاني: حديث أبي ذر مرفوعا: "يؤتى برجل يوم القيامة، فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه فتعرض عليه، فيقال له: عملت كذا وكذا في يوم كذا وكذا، وهو يقر ولا ينكر، وتخبأ عنه كبار ذنوبه وهو منها مشفق، فيقال: أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة، فيقول: إن لي ذنوبا ما أراها هاهنا، قال: فلقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحك حتى بدت نواجذه". رواه مسلم (١٩٠) كتاب: الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها.
(٢) في (ي): (من نفسه).

<<  <  ج: ص:  >  >>