للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأنفال لم يكن من طريق تقليل العَدَد، ولكن معناه: التهوين، كما تقول: (إني لأرى كثيرَكم قليلًا)، أي: قد هُوِّن علي، لا (١) أنك ترى الثلاثةَ اثنين (٢). وإذا كان كذلك صَحَّ تكثيرُ الله المسلمين في أعين الكافرين، على ما ذكرنا.

وقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ} نَصْرُ الله تعالى المسلمين على وجهين: نَصْرٌ بالغَلَبَةِ، كنصرهم يوم بدر. ونَصْرٌ بالحُجَّة. ولو هُزِمَ قومٌ مِنَ المؤمنين لجاز أن يقال: هم المنصورون بالحُجَّة، ومحمودِ العاقبة.

وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} العِبْرَة: الاعتبار (٣)، وهي: الآية التي يُعْبَر (٤) بها من منزلة الجهل إلى العلم؛ لأن المعتبر بالشيء، تاركٌ جهلَه، وواصلٌ إلى عِلْمِهِ بما رأى.

وأصلُه من: (العُبُور)، وهو: النفوذ من أحد (٥) الجانبين إلى الآخر. ومنه: (العِبارة) وهو: الكلام الذي يَعْبرُ (٦) بالمعنى إلى المخاطَب، و (عبارة


(١) (لا): ساقطة من: (ج).
(٢) وقد دافع ابن الأنباري عن قول الفرَّاء هذا مبينًا أن الأعجوبة لم تكن في العَدَد، وإنما كانت في الجزع الذي أوقعه الله تعالى في قلوب المشركين على كثرتهم، وقلة المسلمين، ولِما قذفه الله من شجاعة في قلوب المسلمين، فهانت بها كثرة عدد المشركين عليهم، فكان احتقار المسلمين للكافرين على وفرة عددهم أعجب من احتقارهم لهم على نقصان عددهم. انظر: "الأضداد" ص ١٣٣.
(٣) وفي "الصحاح": (العِبْرَة: الاسم من الاعتبار) ٢/ ٧٣٢ (عبر).
(٤) في (د): (يُعتبر).
(٥) في (د): (إحدى).
(٦) في (أ): (يُعْبَرُ). وفي بقية النسخ غير مضبوطة بالشكل. والصواب ما أثبته ليستقيم المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>