فجعل البلاغة مع النحو والأدب طريقًا إلى معرفة تفسير كلام الله، وذكر بعض أنواع البلاغة كالاستعارة والتشبيه والإيجاز وغير ذلك مما يدخل تحت قوله "والملاحن الغريبة".
وقد دأب في كتابه "البسيط" على محاولة إظهار إعجاز القرآن بما حوى من فصاحة في الأسلوب وبلاغة في التركيب، وكان هذا النهج واضحًا في تناوله لمفردات الآيات وتركيبها، وما اعتماده كتاب "نظم القرآن" لأبي علي الجرجاني مصدرًا مهّمًا في تفسيره إلا دلالة قوية على ذلك. كما أفاد من كتب ابن الأنباري حول تفسير مشكل القرآن شيئًا من الصور البلاغية.
ونأخذ أمثلة من كتابه لننظر مدى إثرائه في هذا الجانب. من ذلك ما ذكره عند تفسير قوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: ٥] قال: -ناقلًا عن ابن الأنباري-: "قال أبو بكر: وقوله {إِيَّاكَ} بعد قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة: ٤] رجوع من الغيبة إلى الخطاب، والعرب تفعل ذلك كثيرًا، وهو نوع من البلاغة والتصرف في الكلام، ومثل قوله:{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}[الإنسان: ٢١] ثم قال: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً}[الإنسان: ٢٢] .. فذكر أحد أنواع علم المعاني التي يسميها البلاغيون "الالتفات".
وعند تفسير قوله تعالى:{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} الآية [البقرة: ٧] ذكر نوعًا آخر من أنواع البلاغة -ناقلًا كذلك عن ابن الأنباري- قال: وقال ابن الأنباري: أراد وعلى مواضع سمعهم، فحذف المضاف، كما تقول العرب: تكلم المجلس، وهم يريدون أهله، وحذف المضاف كثير في التنزيل والكلام .. وهذا النوع يسميه علماء البلاغة: "مجازًا عقليًّا"