للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال: مصداق ذلك: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} الآية (١) وإلى هذا القول ذهب مقاتل (٢).

والصحيح أنه ليس لها حدّ يعرفه العباد وتتميّز به من الصغائر تميُّزَ إشارة، ولو عُرف ذلك لكانت الصغائر مباحة، ولكن الله تعالى يعلم ذلك وأخفاه عن العباد، ليجتهد كل أحد في اجتناب ما نهى عنه رجاء أن يكون مجتنب الكبائر. ونظير هذا في الشريعة إخفاء الصلاة الوسطى في الصلوات، وليلة القدر في ليالي رمضان، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة.

يؤكد هذا ما رُوي عن ابن جبير أنه قال: سأل رجل ابن عباس عن الكبائر أسبع هي؟ قال: هي إلى السّبعمائة أقرب، إلا أنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار (٣).

وقال السدي: الكبائر ما رآه الناس بينهم فاحشة قبيحة. وذهب في هذا إلى معنى اللفظ، وذلك أن حقيقة الكبائر ما كَبُر وعظُم من الذنوب. قاله الزجاج (٤).

وقوله تعالى: {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}. السيئات المكفّرة باجتناب الكبائر هي ما دون الكبائر، والمعاصي مما يجتمع في عمله أهل الصلاح وأهل الفسق، مثل النظرة والكذبة واللمسة والقُبلة، وأشباه ذلك. وهذه تقع


(١) أخرجه من طريق السدي الثعلبي في "الكشف والبيان" ٤/ ٤٥ أ، ب، وأخرجه من طرق أخرى بنحوه الطبري ٥/ ٣٧، وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد بلفظ قريب من هذا اللفظ. انظر "الدر المنثور" ٢/ ٢٦٠.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" بن سليمان ١/ ٣٦٩، "بحر العلوم" ١/ ٣٤٩.
(٣) أخرجه الطبري ٥/ ٤١، وابن المنذر وابن أبي حاتم، انظر: "الدر المنثور" ٢/ ٢٦١.
(٤) "معانى القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>