للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دخول ثم على المتعجب منه إذا لم يكن قبله ما ينسق عليه، كقولك: كيف رأيت زيدًا ثم ضربك. إلا أنه قد لاح لي أن قوله: {ثُمَّ جَآءُوكَ} منسوق على المتعجب منه في قوله: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} ويكون {جَآءُوكَ} بمعنى: يجيئونك. ومثله في الكلام: ألم تر إلى زيد يهجوك ويشتمك فكيف إذا نزلت به نازلة ثم يأتيك؟ فيصح هذا الكلام على تقديم وتأخير كأنك قلت: يهجوك ويشتمك ثم إذا نزلت به نازلة فكيف ذلك. كذلك تقدير الآية: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، ويصدون عنك صدودًا، ثم يجيئونك يحلفون بالله ما أردنا إلا إحسانًا وتوفيقًا، إذا أصابتهم مصيبة فكيف؟ أي فكيف ذلك.

والتقديم والتأخير كثير في الكلام، وكل هذا من مذاهب العرب وافتنانهم في مخاطباتهم، وإيقاع الماضي موقع المستقبل كثير في كلامهم، ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا} [الروم: ٥١]. قال الخليل: معناه ليظلن. فأوقع الماضي موقع المستقبل (١)، ومنه قول الحطيئة (٢):

شهد الحطيئة عند يلقى ربه ... أن الوليد أحقُّ بالعذر (٣)


(١) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٩٨.
(٢) هو جرول بن أوس من بني قطيعة بن عبس، تقدمت ترجمته.
(٣) "ديوان الحطيئة بشرح ابن السكيت والسكري والسجستاني" ص ٢٣٣، وجاء في شرحه أن المراد بالوليد هو الوليد بن عقبة بن معيط وذلك أنه لما كان واليًا على العراق شرب الخمر فصلى بالناس الغداة فلما فرغ قال: أأزيدكم؛ فعلم أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه بذلك فضربه الحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>