للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}.

قال أبو الفتح: كان أبو سهل بن زياد القطان (١) يحتج بهذه الآية على وجوب الترتيب في الطهارة. قال: لأن الفاء للترتيب، وقد قال: {فَاغْسِلُوا} فوجب أن يُرتب الغَسل على القيام، يبدأ به دون غيره.

فقال أبو الفتح: قد بينا أن المراد بالقيام ههنا: العزم والإرادة، فالفاء إذًا إنما (رتب (٢)) الغسل والمسح عَقِيب الإرادة والعزم، ولم يجعل للغسل مزية في المتقدم على المسح؛ لأن المسح معطوف على الغسل بالواو (٣).

والواو لا توجب الترتيب، وليس فيها دليل على (المبدوء به (٤)) في المعنى؛ لأنها ليست مرتبة، ألا ترى إلى قول لبيد:

أُغْلي السِّباءَ بكُلِّ أدكنَ عاتقٍ ... أو جَونةٍ قُدِحَتْ وفُضَّ خِتامُها (٥)

قوله قدحت (أي غُرِفَت (٦))، وإنما يُفَضّ الخَتم قبل الغرف، فقد


(١) هو أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان البغدادي، الإِمام المحدث الثقة مسند العراق، وكان كثير التلاوة حسن الانتزاع لمعانيه، توفي رحمه الله سنة ٣٥٠ هـ. انظر: "سير أعلام النبلاء" ١٥/ ٥٢١، و"البداية والنهاية" ١١/ ٢٣٨، و"شذرات الذهب" ٣/ ٢.
(٢) في "سر صناعة الإعراب": (رتبت)، وهو أصوب.
(٣) "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٣٣ بتصرف.
(٤) في (ش): (البدء به)، وما أثبته هو الموافق لـ"سر صناعة الإعراب".
(٥) "ديوانه" ص ٣١٤، والبيت من معلقته كما في "شرح القصائد المشهورات" ١/ ١٦٢، و"شرح المعلقات السبع" ص ٩٤.
ومعنى: أغلي: أشتري غاليًا، والسباء: اشتراء الخمر، والأدكن: الذي فيه دكنة كالخز الأدكن، والعاتق: الخالصة، والجونة: الخابية السوداء، وقدحت. غرفت، والفض: الكسر.
(٦) بياض في (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>