للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكلام، ولما كان الجواد يفرق المال وينفقه بيده، والبخيل يمسك اليد عن الانفاق أسندوا الجود والبخل إلى اليد والبنان والكف والأنامل، فقيل للجواد: فيَّاض الكف، مبسوط اليد، سبي البنان، ثرة الأنامل، في ألفاظ كثير معروفة في أشعارهم. ويقال في ضد ذلك للبخيل: كزّ الأصابع، مقبوض الكف، جعد الأنامل في أشباه لهذا كثيرة.

واليهود لعنهم الله وصفوا الله تعالى بالبخل فقالوا: يد الله مغلولة. على ما بينا في تفسيره في أول الآية، فأجيبوا (١) على قدر كلامهم، ورد عليهم بضد ذلك فقيل: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} أي ليس الأمر على ما وصفتموه به من البخل، بل هو جواد، فليس لذكر اليد في الآية على هذا المعنى معنًى إلا إفادة معنى الجود والبخل (٢)، ومعنى التثنية في قوله: {بَلْ


(١) سقطت بعض أحرف هذه الكلمة في (ج).
(٢) المؤلف عفا الله عنه أول اليد هنا بالجود، والذي عليه المحققون من أهل السنة والجماعة إثبات صفة اليد لله عز وجل حسبما دلت عليه هذه الآية وغيرها على ما يليق بجلال الله وعظمته، قال الطبري رحمه الله في تفسيره: "ففي قول الله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} مع إعلامه عباده أن نعمه لا تحصى، مع ما وصفنا من أنه غير معقول في كلام العرب أن اثنين يؤديان عن الجميع ما ينبىء عن خطأ قول من قال: معنى اليد في هذا الموضع النعمة وصحة قول من قال: إن "يد الله" هي له صفة ... وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله وقال به العلماء وأهل التأويل "تفسير الطبري" ٦/ ٣٠٢، وقال البغوي في "تفسيره" ٣/ ٧٦، ٧٧: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ويد الله صفة من صفاته كالسمع والبصر والوجه، وقال جل ذكره: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كلتا يديه يمين" والله أعلم بصفاته فعلى العباد فيها الإيمان والتسليم".
وسيأتي في سياق المؤلف كلام أبي عبيد والزجاج وأبي بكر بن الأنباري في إثبات صفة اليد والرد على من أولها، وإن كان المؤلف لم يأبه بتقريرهم، وتعلق بما عليه الأشاعرة من التعسّف في التأويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>