للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأنباري: لما قال الله تعالى لعيسى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} لم يقع له إلا أن النصارى حكت عنه الكذب فقال: {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} الحكاية {فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} لأنه ليس الحاكي للكفر كافرًا إذا لم يأخذ به، وليس في الآية أنهم اتخذوا عيسى وأمه إلهين، إنما هو استفهام عن عيسى هل أمر بذلك؟ وهل قال ذلك أم لا؟ وظاهر هذا الاستفهام يوجب أن النصارى حكوا عنه أنه أمر بذلك، فقال عيسى على اقتضاء هذا السؤال: {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} ما حكوه كذبا (١)، وهذا قول المبرد، وقد حكاه الزجاج عنه فقال: قال بعضهم: إن تغفر لهم كذبهم عليّ، ثم قال: وهذا قول المبرد، ولا أدري أسمعه أم استخرجه؟ (٢).

وقال ابن الأنباري أيضاً: هذا على التبعيض، أي: إن تعذب بعضهم الذين أقاموا على الكفر فهم عبادك، وإن تغفر لبعضهم الذين انتقلوا عن الكفر إلى الإِسلام، فأنت في ذلك قاهر غالب عادل، لا يعترض عليك فيه معترض (٣).

والقول بالتبعيض في هذه الآية مذهب جماعة من المفسرين واختيار أبي إسحاق؛ لأنه قال: والذي عندي أن عيسى قد علم أن منهم من آمن ومنهم من أقام على الكفر، فقال عيسى في جملتهم: إن تعذب من كفر بك فإنهم عبادك، أنت العادل عليهم، {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} أي: لمن أقلع منهم وآمن فأنت في مغفرتك لهم (عزيز) لا يمتنع عليك ما تريد (حكيم) في ذلك (٤).


(١) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٢٣.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٢٢٣، ٢٢٤.
(٣) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٢٢٤.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٢٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>