للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يريد: أعلم وبين, فأشبه إعلامه وتبيينه ذلك شهادة من يشهد عند الحكام وغيرهم) (١).

وزاد صاحب النظم لهذا المذهب بيانًا حكايته عن بعضهم، فقال: (إن الله عز وجل لما خلق الخلق ونفذ علمه فيهم بما هو كائن، صار ما لم يكن بعد مما هو كائن كالكائن عنده، إذ علمُه بكونه مانعٌ من غير كونه، فسايغ في مجاز العربية أن يضع ما هو منتظر مما لم يقع بعد موضعَ الواقع لسبق علمه بوقوعه، وكما قال عز وجل: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ} [الأعراف: ٥٠] وأمثاله، فيكون تأويل قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ}: وإذ يأخذ ربك، وكذلك قوله: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} أي: ويشهدهم بما يركبه فيهم من العقل الذي يكون به الفهم ويجب به الثواب والعقاب، فكل من ولد وبلغ الحنث وعقل الضر والنفع وفهم الوعد والوعيد والثواب والعقاب صار كأن الله تعالى أخذ عليه الميثاق في التوحيد بما ركب فيه من العقل، وأراه من الآيات والدلائل (٢) على حدوثه وضعفه وأنه لا يجوز أن يكون قد خلق نفسه، وإذا لم يجز ذلك فلا بد من خالق هو غيره ليس كمثله، وكل (٣) من بلغ وعقل فقد أخذ عليه العهد والميثاق إذ جعل فيه السبب الذي به يؤخذ الميثاق وهو العقل، واحتج أصحاب هذا القول بقوله: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأحزاب: ٧٢]، قالوا: فالأمانة هاهنا عهد وميثاق، وامتناع السموات والأرض من حملها خلوهما من العقل الذي يكون به الفهم،


(١) ذكره ابن الجوزي ٣/ ٢٨٦، وابن القيم في كتاب "الروح" ص ٢٢١.
(٢) في النسخ: (والدليل)، وهو تحريف.
(٣) في (ب): (ليس كمثله وهو من بلغ)، وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>