للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما إذا لم ينو الالتجاء إلى فئة من المسلمين، وانهزم هزيمة على الحقيقة؛ فإن كان المشركون أكثر من ضعف المسلمين لم يعص ولم يأثم, وإن كانوا ضعفهم أو أقل استحق الوعيد وعصى وأثم.

فإن قيل: إن قوله: {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ} يدل على أن المنهزم إذا عصى بالهزيمة بقي في النار خالدًا (١)، قلنا: قد ذكرنا أن الآية مخصوصة بأهل بدر على قول الأكثرين، قال يزيد بن أبي حبيب (٢): أوجب الله لمن فر يوم بدر النار، فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال: {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} [آل عمران: ١٥٥]، ثم كان يوم حنين بعد ذلك فقال: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: ٢٥]، {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [التوبة: ٢٧] (٣).


(١) في (م): (مخلدًا).
(٢) هو: يزيد بن أبي حبيب أبو رجاء المصري، الإِمام الحجة، مفتي الديار المصرية، كان من جلة العلماء العاملين، ارتفع بالتقوى والعلم مع كونه مولى حبشيًّا، مات سنة ١٣٢٨ هـ.
انظر: "التاريخ الكبير" ٢/ ٤/ ٣٣٦، و"الكاشف" ٢/ ٣٨ (٦٢٨٩)، و"سير أعلام النبلاء" ٦/ ٣١، و"تهذيب التهذيب" ٤/ ٤٠٨.
(٣) رواه البغوي ٣/ ٣٣٧، ورواه أيضًا مع زيادة ابن جرير ٩/ ٢٠٢، وما جاء في حادثتي أحد وحنين يؤكد تحريم الفرار من الزحف حيث وصف بأنه استزلال من الشيطان وأن الله قد عفا عن الفارين، أما سياق يزيد بن أبي حبيب للآيتين في قصة حنين فقد يفهم منه أن التوبة على الصحابة الفارين وليس الأمر كذلك بل على من أسلم من كفار هوازن بدلالة السياق حيث قال الله تعالى: {وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} وعلى فرض أنه على الصحابة الفارين فإنها تأكيد على تحريم الفرار وأنه من كبائر الذنوب التى تحتاج إلى توبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>