للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أبو إسحاق: أعلم الله أن كفًا من حصى لا يملأ عيون ذلك الجيش الكثير برمية بشر، وأنه جلّ وعزّ تولى إيصال ذلك إلى أبصارهم، فقال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} أي لم يصب رميك ذلك


= التقليد في قواعد التوحيد أن الرب -سبحانه وتعالى- مطالب عباده بأعمالهم في حياتهم، وداعيهم إليها، ومثيبهم ومعاقبهم عليها في مآلهم، وتبين بالنصوص التي لا تتعرض للتأويلات أنه أقدرهم على الوفاء بما طالبهم به، فمن أحاط بذلك كله ثم استراب في أن أفعال العباد واقعة على حسب إيثارهم واختيارهم واقتدارهم فهو مصاب في عقله، أو مستقر على تقليده، مصمم على جهله ففي المصير إلى أنه لا أثر لقدرة العبد في فعله قطع طلبات الشرائع، والتكذيب بما جاء به المرسلون، فإن زعم زاعم ممن لم يوفق لمنهج الرشاد أنه لا أثر لقدرة العبد في مقدوره أصلاً، فإذا طولب بمتعلق الله تعالى بفعل العبد تحريمًا وفرضًا، ذهب في الجواب طولًا وعرضًا، وقال: لله أن يفعل ما يشاء ولا يتعرض للاعتراض عليه المعترضون {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣]. قيل: ليس لم جئت به حاصل، كلمة حق أريد بها باطل، ومن زعم أن لا أثر للقدرة الحادثة في مقدورها كما لا أثر للعلم في معلومه، فوجه مطالبة العبد بأفعاله عنده كوجه مطالبته أن يثبت في نفسه ألوانًا وإدراكات، وهذا خروج عن حد الاعتدال، إلى التزام الباطل والمحال، ثم قال: إن قائلًا لو قال: العبد مكتسب، وأثر قدرته الاكتساب، والرب -تبارك وتعالى- مخترع وخالق لما العبد مكتسب، قيل له: فما الكسب؟ وما معناه؟ وأديرت الأقسام المقدرة على هذا القائل، فلا يجد عنها مهربًا.
فإن قيل: لم لا تذكرون قولًا مقنعًا في الرد على من يزعم أن العبد مخترع، خالق لأفعاله؟
قلنا: المسلمون بأجمع قاطبة قبل أن ظهرت البدع والآراء ونبغ أصحاب الأهواء، على أنه لا خالق إلا الله تعالى، ثم قال: قدرة العبد مخلوقة لله -تبارك وتعالى- باتفاق العالمين بالصانع، والفعل المقدور بالقدرة الحادثة واقع بها قطعًا , ولكنه مضاف إلى الله -تبارك وتعالى- تقديرًا وخلقًا، وإذا كان مُوقع الفعل -يعني القدرة- خالقًا لله فالواقع به مضاف خلقًا إلى الله تعالى وتقديرًا اهـ. باختصار من كتاب "العقيدة النظامية في الأركان الإسلامية" للجويني ص ٤٣ - ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>