للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= ناله منها ما شغله عن حاله؛ ولهذا قال تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} أي هو الذي بلّغ ذلك إليهم وكبتهم بها لا أنت، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه -يعني يوم بدر- فقال: "يا رب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدًا" فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب فارم بها في وجوههم فأخذ قبضة من التراب فرمى بها في وجوههم فما من المشركين أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين. ثم ذكر الإمام ابن كثير عدة روايات بهذا المعنى ثم قال: وقد روي في هذه القصة عن عروة عن مجاهد وعكرمة وقتادة وغير واحد من الأئمة أنها نزلت في رمية النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر اهـ. واذ قد تبين معنى الآية وسبب نزولها فإنه لا يصح حملها على كل رمية أو كل فعل صادر من كل إنسان.
فإن قيل: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب!
فالجواب: أن عموم اللفظ هنا ليس أفعال الإنسان كلها، بل كل رمية بلغت ذلك المبلغ، وأثرت ذلك التأثير.
الثانية: مذهب أهل السنة والجماعة في أفعال العباد أن قدرة العبد لها أثر في فعله كأثر الأسباب في مسبباتها فهو الموجد لفعله باختياره، والله تعالى هو خالق أفعال العبد باعتبار أن خالق الأسباب هو خالق مسبباتها، فالسحاب -مثلاً- سبب المطر، والماء سبب الإنبات، وقد جرت العادة أنه لولا السحاب ما نزل الماء، ولولا الماء ما حصل الإنبات، ومع ذلك فالله تعالى هو المنزل للماء، المنبت للشجر، فكذلك قدرة العبد هي سبب فعله، والله تعالى خالق العبد وخالق فعله، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية "مجموع الفتاوى" ٨/ ٤٨٧: الذي عليه السلف وأتباعهم وأئمة أهل السنة وجمهور أهل الإسلام المثبتون للقدر المخالفون للمعتزلة: إثبات الأسباب، وأن قدرة العبد مع فعله لها تأثير سائر الأسباب في مسبباتها، والله تعالى خلق الأسباب والمسببات.
وقد أحسن إمام الحرمين الجويني المنتسب للمذهب الأشعري في عرض قول أهل السنة والرد على أئمة المذهب الأشعري حيث قال: الركن الأول في قدرة العبد وتأثيرها في مقدورها، فنقول: قد تقرر عند كل حَاظٍ بعقله، مرقى عن مراتب =

<<  <  ج: ص:  >  >>