للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ترى الملائكة يضربون من الكفار الوجوه والأدبار، وبناؤه على المفهوم أحسن من التصريح لأنه أفخم.

ومعنى {يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا}: يقبضون أرواحهم على استيفائها؛ لأن الموت إنما يكون بإخراج الروح على التمام، وهذا يقتضي أن الإنسان هو الروح؛ لأنه قال: {يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا} فهذا يوجب أن الإنسان هو الروح، ولولا هذا لم يكن قد توفاه الملك وإنما توفي بعضه وهو الروح، إلا أن يجعل من باب حذف المضاف فيقال: المعنى: يتوفى أرواح الذين كفروا وأنفسهم (١).

وقوله تعالى: {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} مضارع معناه الحال، قال ابن عباس: كان المشركون إذا أقبلوا بوجوههم إلى المسلمين ضربوا وجوههم بالسيوف، وإذا ولوا ضربوا أدبارهم (٢)، ونحو هذا قال مُرة وابن جريج: أي: مقاديمهم ومآخيرهم (٣)، وتقديره: يضربون أجسادهم


(١) في "لسان العرب" (وفي) ٨/ ٤٨٨٦: الوفاة: الموت، وتوفي فلان وتوفاه الله: إذا قبض نفسه، وفي "الصحاح": إذا قبض روحه، وقال غيره: توفي الميت: استيفاء مدته التي وفيت له وعدد أيامه وشهوره وأعوامه في الدنيا اهـ. فإذا عرف أن الوفاة تطلق على قبض الروح لم يلزم من قول القائل: توفي الله الإنسان، أن الإنسان هو الروح ولا أن يجعل ذلك من باب حذت المضاف، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية الخلاف في المسألة التي ذكرها المصنف فقال: تنازع الناس في مسمى (الإنسان) هل هو الروح فقط أو الجسد فقط؟ والصحيح أنه اسم للروح والجسد جميعًا، وإن كان مع القرينة قد يراد به هذا تارة، وهذا تارة. "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" ١٢/ ٦٧.
(٢) رواه ابن جرير ١٠/ ٢٢، والثعلبي ٦/ ٦٧ أ، والبغوي ٣/ ٣٦٨، وفي سنده انقطاع بين ابن جرير وابن عباس، انظر: "الكشاف" ٢/ ١٨٥.
(٣) رواه عنهما الثعلبي ٦/ ٦٧ أبلفظ: (وجوههم) ما أقبل منهم، (وأدبارهم) ما أدبر منهم، وبنحو هذا اللفظ رواه البغوي ٣/ ٣٦٨ عن ابن جريج.

<<  <  ج: ص:  >  >>