للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قيل: إن الله تعالى كان قد أنزل قبل هذا قوله (١): {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} إلى قوله: {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: ١٦] فعظم الفرار من الزحف، وهول في العقاب، ولا يقع العقاب إلى في واجب، ولم يصف الله تعالى حالة الفرار كيف هو أو كم من كم؟، ثم بينه بقوله عز وجل: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} [الأنفال: ٦٥] فأعلم أن عشرين إذا صبروا أوجب لهم غلبة مائتين بشريطة الصبر، ووعده ناجز لا خلف فيه، فكان في ذلك بيان لكيفية الفرار التي حرمها، والصفة التي يكون المولي بها فارًّا مستوجبًا للعقاب إلا أنه ثقل عليهم ثبوت الواحد للعشرة فخفف ذلك عنهم بالآية الأخرى، فعلى ما ذكر: الآيتان لفظهما شرط، والشرط كما ذكر لا يكون واجبًا إلا أن الوجوب استفيد من تحريم الفرار، وتحريم الفرار مجمل فبيّن في الآيتين أنه مع كم يجب أن يصبر، ومن كم يجوز الفرار.

وهذا طريق حسن في هاتين الآيتين، والحكم في هذه الآية أن كل مسلم بالغ مكلف وقف بإزاء مُشْرِكَيْن عبدًا كان أو حرًا فالهزيمة عليه حرام ما دام معه سلاح يقاتل، فإن لم يبق سلاح فله أن ينهزم، وإن قاتله ثلاثة حلت له (٢) الهزيمة، والصبر أحسن، وقف جيش مؤته وهم ثلاثة آلاف، وأمراؤهم على التعاقب زيد بن حارثة، ثم جعفر بن أبي طالب (٣)، ثم


(١) ساقط من (م).
(٢) ساقط من (ح).
(٣) هو: جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب، أبو عبد الله وابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السيد الشهيد الكبير الشأن، هاجر إلى الحبشة، ثم قدم منها يوم فتح خيبر، وولاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيادة جيش مؤتة بعد زيد، واستشهد فيها سنة ٨ هـ.
انظر: "سير أعلام النبلاء" ١/ ٢٠٦، و"تهذيب التهذيب" ١/ ٣٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>