للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: ٥٩] مشروحًا، وذكر أبو علي الجرجاني هاهنا فصلاً لابد من الوقوف عليه وهو أنه قال: قول: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ} إلى قوله: {وَلَا أَكْبَرَ} كلام تام نفى الله عز وجل (١) به عن نفسه عزوب شيء من الأحداث، وهاهنا انقطاعه (٢)، وقوله تعالى: {إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} خبرآخر منقطع بما قبله؛ لأنه لو كان متصلًا بما قبله فيكون محققًا من قوله: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ}؛ وجب أن يكون قوله: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ} نفيًا منتظرًا له تحقيق، وإذا كان النفي منتظرًا له التحقيق كان نفيًا (٣) إذا خلا من الحال التي تحقق ما قبلها، مثل قولك: ما ينام زيد إلا بجهد، وما يصبح عمرو إلا مريضًا، فأنت لم تنف النوم عن زيد ولا الإصباح عن عمرو، إلا بخلاف الحال التي حققت النوم والإصباح بها؛ لأن التأويل (هكذا ينام زيد، وهكذا يصبح عمرو)، فلو كان قوله: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} متصلًا بقوله: {إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} لوجب أن يكون قد عزب عن الله أو يعزب عنه مثقال ذرة وأصغر وأكبر (٤) منها إلا في الحال التي (٥) استثناها، وهو قوله: {إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} فيكون ما يعزب عنه من ذلك مستدركًا في الكتاب وفي هذا ما فيه، ونظيره من الكلام قول القائل (ما يغيب عني زيد إلا في بيته)، فالغيبة


= وبنحوه رواه عبد بن حميد وابن أبي حاتم عند تفسير آية الأنعام كما في "الدر المنثور" ٣/ ٢٩.
(١) ساقط من (ح) و (ز).
(٢) في (ى): (تحقيق).
(٣) ساقط من (ح) و (ز).
(٤) في (ي): (أو أكبر أو أصغر).
(٥) ساقط من (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>