للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١٧] وقد مر، والآية بيان عن إقامة الدلالة على الصانع حيث جعل العَلَف وهو جنس واحد أنواعًا في بطن الدابة، فإذا تفكر العاقلُ عَلِمَ أن ذلك بقدرة الله الذي لا إله إلا هو، قال أصحابنا: وهذه الآية تدل على أن مَنِيّ الآدمي لا يكون نجسًا وإن كان في باطنه مجاورًا للنجاسات كاللبن؛ فإنه يخرج طاهرًا من بين نجسين (١).


= في اللغة" ٥/ ١٠٧، و"مجمل اللغة" ١/ ٤٧٨، و"مقاييس اللغة" ٣/ ١١٦، و"الصحاح" ٤/ ١٣٢٢، و"العباب الزاخر" غ/ ص ٤٨، و"اللسان" ٤/ ٢١٥٢.
(١) هذا مشهور لكن فيه نظر؛ لأن الدم مختلف في نجاسته، فالمذاهب الأربعة على نجاسته، وقد حكى النووي في ذلك الإجماع فقال: "وفيه أن الدم نجس، وهو بإجماع المسلمين" [شرح مسلم (٣/ ٢٠٠)]، وانظر: "أحكام النجاسات في الفقه الإسلامي" ص ١٨٧، لكن الذي عليه المحققون -كابن تيمية والشوكاني وصديق خان- أن الدم المسفوح ليس بنجس، وعمدة القائلين بالنجاسة أمران؛ أحدهما: قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: ١٤٥]، والثاني: حديث أسماء قالت: جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: (إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع به؟ قال: "تَحُتُّهُ ثم تَقْرُصُهُ بالماء ثم تَنْضِحُهُ ثم تُصَلَّي فيه" [شرح مسلم (٣/ ١٩٩)].
وقد رد المحققون على هذين الدليلين: أما الآية فدلالتها على نجاسة الدم غير صريحة؛ لأن كون تناول الدم المسفوح محرم لا يقتضي نجاسته، وكلمة {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} وإن كان من معانيها في اللغة النجاسة، إلا أنه مختلف في عودة الضمير، وإذا وقع الاحتمال بطل الاستدلال. أما الحديث فالكلام فيه على دم الحيض ولا خلاف في نجاسته؛ لأنه خارج من أحد السبيلين، لذلك كان قياس سائر الدماء عليه قياسًا مع الفارق، لذلك قال صديق خان: (وأما سائر الدماء فالأدلة فيها مختلفة مضطربة، والبراءة الأصلية مستصحبة حتى يأتي الدليل الخالص عن المعارضة) [الروضة الندية شرح الدرر البهية (١/ ٨٢)]، وحتى على القول بنجاسة الدم فإن الدم قبل انفصاله عن الجسم يعد طاهرًا، وهو ما ذهب إليه ابن تيمية في =

<<  <  ج: ص:  >  >>