للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقرأ أبو عمرو {فِي هَذِهِ أَعْمَى} بكسر الميم، {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} بفتح الميم (١)، قال أبو علي الفارسي: أمال الألف من الكلمة الأولى ولم يملها من الثانية؛ لأنها بمعنى أفعل من كذا، مثل أَبْلَه من فلان، وليست عبارة عن الموؤفِ (٢) الجارحةِ المصاب ببصره، فإذا كان كذلك لم تقع الألف في آخر الكلمة؛ لأن آخرها إنما هو من كذا، وإنما تحسنُ الإمالةُ في الأواخر؛ لأنها موضع الوقف، والألف تخفى في الوقف، فإذا أمالها نحا بها نحو الياء ليكون أظهر لها وأبين، ومما يقوِّي ذلك أن من العرب من يقلب هذه الألفات ياءات في الوقف فيقول: أَفعي، بإظهار الياء في اللفظ، وحُبْلي، وقد حذف في الآية من أفعل -الذي هو للتفضيل- الجار والمجرور، وهما مرادان في المعنى مع الحذف، وذلك نحو قوله: {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: ٧]، المعنى: وأخفى من السر، فلذلك قوله: {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى}، أي: منه في الدنيا.

ومعنى العمى في الآخرة: أنه لا يهتدي إلى طرق الثواب، ويدل على أن المراد بقوله: {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى}: أشد عمى، قوله: {وَأَضَلُّ سَبِيلًا} فكما أن هذا لا يكون إلا على أفعل من كذا، كذلك المعطوف عليه، انتهى كلامه. (٣) فأراد أبو عمرو أن يفرق بين ما هو اسم وبين ما هو بمعنى أفعل منه، فغاير بينهما بالإمالة وتركهما.


(١) انظر: "السبعة" ص ٣٨٣، و"علل القراءات" ١/ ٣٢٥، و"إعراب القراءات السبع وعللها" ١/ ٣٧٨، و"الحجة للقراء" ٥/ ١١٢، و"المبسوط في القراءات" ص ٢٢٩.
(٢) في (ش)، (ع): (المألوف)، وفي هامش (ش) كتب: (أحسبه المؤوف).
(٣) "الحجة للقراء" ٥/ ١١٢، وهو نقل طويل تصرف فيه بالحذف والإضافة والتقديم والتأخير والاختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>