للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كقوله: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: ٣٣] يعني: من حيث كانوا يتصرفون فيه لمعاشهم، وقوله: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} [يوسف: ٨٠] يعني: الأرض التي كان قَصَدَها للامتيار (١) منها، ومثله كثير (٢).

فإن قيل: أليس قال الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} [محمد: ١٣] يعني مكة، والمراد أهلها فذكر أنهم أخرجوه، وقال في هذه الآية: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا} فكيف الجمع بينهما، على قول من قال: الأرض في هذه الآية: مكة؟! قلنا هَمُّوا وقصدوا إخراجه، كما قال الله -عز وجل-: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوك} [الأنفال: ٣٠]، ثم قبل أن يُتِمُّوا ذلك أمر الله تعالى نبيه -عليه السلام- بالخروج، فخرج منها بأمر الله خائفًا منهم ومن مكرهم، وكان خروجه بأمر الله سببًا لسلامته مما كانوا يدبرونه فيما بينهم، ألا ترى أن قتادة قال: هموا بإخراجه ولو فعلوا ذلك ما نوظروا على ما حكينا عنه في هذه الآية، وجاز إضافة الإخراج إليهم في قوله: {أَخْرَجَتْكَ}؛ لأنهم هموا بذلك وأُمر بالخروج منها لقصدهم إخراجه، فلما كانوا سببًا في خروجه أضيف ذلك إليهم.

{وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا}، أعلم الله أنهم لو فعلوا ذلك لم يلبثوا بعده إلا قليلاً، أي لو أخرجوك لاستأصلناهم كسنتنا فيمن قبلهم،


(١) في جميع النسخ: (الامتيار)، والتصويب من الحجة للقراء. (المِيرَةُ): جلب الطعام للبيع وللعيال، قال الأصمعي: يقال: ماره يَمُورُه إذا أتاه بمِيرة؛ أي بطعام. أنظر: (مير) في "المحيط في اللغة" ١٠/ ٢٨٥، و"اللسان" ٧/ ٤٣٠٦.
(٢) ورد نحوه في "الحجة للقراء" ٥/ ١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>