وقيل: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما وصل إلى قوله (ومناة الثالثة الأخرى) خشي المشركون أن يأتي بعدها بشئ يذم الهتهم به، فبادروا إلى ذلك الكلام فخلطوه في تلاوة النبي -صلى الله عليه وسلم- على عادتهم في قولهم: (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) ونسب ذلك إلى الشيطان لأنه الحامل لهم على ذلك، أو المراد بالشيطان شيطان الإنس، وأن المشركين أشاعوا ذلك وأذاعوه وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله، فحزن لذلك من كذبهم وافترائهم عليه، فسلاه الله بقوله: "وما أرسلنا من قبلك .... " الآية، وبين للناس الحق من ذلك الباطل. وقيل: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرتل القرآن، ارتصده الشيطان في سكته من السكتات، ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله وأشاعها. وقال ابن حجر من هذا الوجه أنه أحسن الوجوه .... اهـ. ولا يخفى أن هذه أوجه متكلفة تحتاج إلى دليل، ولذا قال الألوسي عنها ٧/ ١٨٦: وكلها عندي مما لا ينبغي أن يلتفت إليها. وممن ذهب إلى هذا القول -يعني تصحيح القصة من تأويل ما يستنكر فيها- الحافظ ابن حجر، وتبعه السيوطي، والمناوي في الفتح السماوي ٢/ ٤٨٣ - ٨٤٧. قال ابن حجر في "فتح الباري" ٨/ ٤٣٩ - بعد أن ذكر روايات القصّة عن ابن عباس وسعيد بن جبير-: وكلها سوى طريق سعيد بن جبير -يعني المرسل- إما ضعيف وإمَّا منقطع، لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصّة أصلا، مع أن لها طريقين آخرين مرسلين رجالهما رجال الصحيح. ثم ذكر الحفاظ ابن حجر رواية الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن ورواية أي العالية، ثم نقل كلامًا لأبي بكر بن العربي والقاضي عياش في إبطال هذه القصّة، ثم قال: "وجميع ذلك لا يتمشّى على القواعد؛ فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دَلَّ ذلك على أنَّ لها أصلاً، وقد ذكرت أن تلاوته أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها ممن يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض، وإذا تقرَّر ذلك تعيَّن تأويل ما وقع فيها مما يستنكر". وقد ردَّ الألباني في كتابه "نصب المجانيق" ص ١٩ - ٢٤ على الحافظ ابن حجر اعتماده في تصحيحه لهذه الرواية على كثرة الطرق عن ابن عباس إضافة إلى ما =