وأنا من أدنى المؤمنين منزلة وأقلهم معرفة بما وفقني الله وآتاني من علمه، لا يخفى علي وعليكم أن هذا كفر لا يجوز وروده من عند الله، ولو قاله أحدٌ لكم لتبادر الكلّ إليه قبل التفكير بالإنكار والرَّدع والتقريب والتشنيع، فضلاً عن أن يجهل النبي -صلى الله عليه وسلم- حال القول، ويخفى عليه قوله، ولا بتفطن لصفة الأصنام بأنها الغرانيق العلى وإن شفاعتهن ترتجى، وقد علم علمًا ضروريًا أنها جمادات لا تسمع ولا تبصر، ولا تنطق ولا تضر، ولا تنفع ولا تنصر ولا تشفع، بهذا كان يأتيه جبريل الصباح والمساء، وعليه انبنى التوحيد، ولا يجوز نسخُه .. فكيف يخفى هذا على الرسول؟. ونذكر هنا بعض العلماء والمفسرين قديما وحديثا الذين ردوا هذه الرواية، فمنهم: -محمد بن إسحاق بن خزيمة. الإمام المعروف، قال الرازي في "تفسيره" ٢٣/ ٥٠: روي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنَّه سئل عن هذه القصّة؟ فقال: هذا وضع من الزنادقة. وصنف فيه كتابًا. - ابن حزم فقد قال في "الفصل في الملل والأهواء والنحل" ٤/ ٤٨: وأما الحديث الذي فيه: "وإنّهن الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى" فكذب بحت موضوع، لأنه لم يصح قط من طريق النقل. - أبو بكر البيهقي صحب كتاب "السنن الكبري" وغيرها، فقد نقل عنه الرازي في تفسيره ٢٣/ ٥٠ أنَّه قال: هذه القصّة غير ثابتة من جهة النقل. =