فأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن الظلمات أشرقت لنور وجه الله، كما أخبر تعالى أن الأرض تشرق يوم القيامة بنوره. وفي معجم الطبراني والسنَّة له، وكتاب عثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السموات والأرض من نور وجهه. وهذا الذي قاله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أقرب إلى تفسير الآية من قول من فسرها بأنه هادي أهل السموات والأرض. وأما من فسَّرها بأنه منور السموات والأرض فلا تنافي بينه وبين قول ابن مسعود. والحق أنُّه نور السموات والأرض بهذه الاعتبارات كلها. وفي "صحيح مسلم" وغيره من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخمس كلمات، فقال: "إنَّ الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النَّهار وعمل النَّهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه". وفي "صحيح مسلم" عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل رأيت ربك؟ قال: "نور، أنَّى أراه". سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: معناه: كان ثمَّ نور، أو حال دون رؤيته نور، فأنَّى أراه؟. قال: ويدل عليه: أنَّ في بعض الألفاظ الصحيحة: هل رأيت ربك؟ قال: "رأيت نورًا" .. ويدل على صحة ما قال شيخنا في معنى حديث أبي ذر -رضي الله عنه-: قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر: "حجابه النور" فهذا النور -والله أعلم- النور المذكور في حديث أبى ذر -رضي الله عنه-: "رأيت نورًا"). انتهى كلام ابن القيم رحمه الله. ويبيَّن ما قاله ابن القيم من أنَّه نور السموات والأرض بهذه الاعتبارات كلها ما قاله العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تفسيره" ٣/ ٤٠١: "الله نور السموات والأرض" الحسي والمعنوي، وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه نور الذي لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، وبه استنار العرش =