للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} قال قتادة: يقول: لو أن أصمَّ ولى مدبرًا ثم ناديته لم يسمع؛ كذلك الكافر لا يسمع ما يُدعى إليه من الإيمان ونحو هذا قال مقاتل (١).

ومعنى الآية: أنهم لفرط إعراضهم عما يُدعون إليه من التوحيد والدين، كالميت الذي لا سبيل إلى إسماعه وإعلامه شيئًا، وكالصم الذين لا يسمعون.


= أنتم بأسمع لما أقول منهم" قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخًا وتصغيرًا ونقمة وحسرة وندما. أخرجه البخاري، كتاب المغازي، رقم: ٣٩٧٦، "فتح الباري" ٧/ ٣٠٠. ثم أخرج البخاري بعده إنكار عائشة -رضي الله عنها- لهذا؛ حيث قالت: إنما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق، ثم قرأتْ: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} الآية.
قال الإسماعيلي: كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه؛ لكن لا سبيل إلى رد رواية الثقة إلا بنص مثله، يدل على نسخه أو تخصيصه، أو استحالته، فكيف والجمع بين الذي أنكرته وأثبته غيرها ممكن؛ لأن قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} لا ينافي قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنهم الآن يسمعون) لأن الإسماع هو إبلاغ الصوت من المُسمِع في أذن السامع، فالله تعالى هو الذي أسمعهم بأن أبلغهم صوت نبيه -صلى الله عليه وسلم-، بذلك. "فتح الباري" ٧/ ٣٠٤. والصحيح أن الميت يسمع في قبره السماع المعتاد؛ والمنفي عنه السماع الذي ينفعه، وقد قرر هذا بشواهده وأدلته شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- حيث رد على من نفى سماع الميت في قبره؛ وحمل ابن تيمية النفي في الآية على السماع المعتاد الذي ينتفعون به، أما سماع آخر فلا ينفى عنهم. "مجموع الفتاوى" ٤/ ٢٩٨. وهذا اختيار ابن كثيرة حيث قال: أي: لا تسمعهم شيئاً ينفعهم، فكذلك هؤلاء على قلوبهم غشاوة، وفي آذانهم وقرة وهو الكفر. "تفسير ابن كثير" ٦/ ٢١٠. والقول بأن الموتى في الآية: الكفار، نفى الله عنهم سماع التدبر، تفسير ظاهر لا يرد عليه هذا الإشكال. والله تعالى أعلم.
(١) أخرجه عن قتادة ابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٢١. وهو في "تفسير مقاتل" ٦٢ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>