للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ} [آل عمران: ٧٧]. ذلك أن الرحمةَ تتبع النظر، فإن الواحدَ منا إذا نظر إلى حال إنسان فرآه في بليةٍ أو شدةٍ رَحِمَهُ، ولو لم ينظر إليه لم تداخله الرحمة، هذا هو الأصل، ثم جعل الرحمة نظرًا.

ويكون النظر بمعنى الاعتبار والتأمل والتدبر، وهو فعل غير متعد، فمن ذلك قوله: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ} [الفرقان: ٩] {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النساء: ٥٠] {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء: ٢١] وقد يتعدى هذا بالجار، كقوله: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: ١٨٥]. وقوله: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: ١٧]. وقوله: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ} [ق: ٦]، والمراد بالنظر في هذه الآية: نظر الاعتبار، وذلك أن الاعتبار ثاني النظر، كما ذكرنا في الرحمة. والنظر يكون بمعنى المقابلة، تقول العرب: الجبل ينظر إليك أي: يقابلك، وذلك أن الأكثر في باب النظر أن الناظر ينظر فيما يقابله، فلما كان الأكثر في هذا الباب المقابلة سميت المقابلة نظرًا (١).

والظُّلَل جمع ظُلَّة: مثل حُلَّة وحُلَلٌ، والظُّلَّة: ما يُسْتَظَلُّ به من الشمس، ويسمى السحابُ ظَلَّةً لأنه يُسْتَظَل بها، ومنه قوله: {عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} [الشعراء: ١٨٩]، أراد: غيمًا تحته سموم (٢).

ومعنى الآية: هل ينتظر التَاركونَ الدخولَ في السَّلْم والمتبعون


(١) ينظر في معاني النظر "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٦٠٣ - ٣٦٠٦، "المفردات" ص٤٩٩ - ٥٠٠، "اللسان" ٧/ ٤٤٦٥ - ٤٤٦٨ (نظر).
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٢٧ - ٣٢٨، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٢٤٥ - ٢٢٤٨ (ظل)، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٨٣، "المفردات" ٣١٧، "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٠٠، "اللسان" ٥/ ٢٧٥٣ - ٢٧٥٦ (ظلل).

<<  <  ج: ص:  >  >>