للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأهل التحقيق من النحويين قالوا: الواو لا تُقْحَمُ إلا معَ (حتى إذا)، ومع (لَمَّا) (١).


(١) قال الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٢٣٨ عن الواو في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ ...} آل عمران: ١٥٢: (وهو في (حتى إذا) و (فَلَمَّا أن) مقول، لم يأتِ في غير هذين). وقال في ٢/ ٣٩٠: (والعرب تدخل الواو في جواب (فلما) و (حتى إذا)، وتلقيها). وفي ٣/ ٢٤٩ بَيَّنَ أن العرب لم تجاوز هذين الموضعين. وانظر: "تفسير الطبري" ٣/ ٢٨٢. وبيان هذا الأمر: إن مذهب الكوفيِّيِنَ هو: جواز وقوع الواوِ زائدةً لغير معنى. وشاركهم من البصريين في هذا المذهب: الأخفشُ، وأبو القاسم بن بَرهان، وتبعهم ابنُ مالك. ونَسَب الرمَّانيُّ في كتابه "معاني الحروف" ٦٣، وأبو البركات الأنباري في كتابه "الإنصاف" ص ٣٦٦ القولَ بهذا الرأي للمبرد وهو من البصريين. ولكن المبرد في كتابه "المقتضب" ٢/ ٨٠ قال عن مذهب القائلين بزيادة الواو لغير معنى: (وهو أبدع الأقاويل؛ أعني زيادة الواو) مما يؤكد أنه لم يشذ عن مذهب البصريين. واستدل الكوفيُّون على مذهبهم هذا بأدلة من القرآن ولغة العرب، منها: زيادة الواو في {وَفُتِحَتْ} في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: ٧٣] وزيادتها في {وَاقْتَرَبَ} في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} الأنبياء: ٩٧. وزيادته في {وَنَادَيْنَاهُ} في قوله: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} سورة الصافات: ١٠٣، وغيرها من الآيات. ومن شعر العرب، قول امريء القيس:
فلَمَّا أجَزنا ساحةَ الحيِّ وانْتَحى ... بنا بَطْنُ خَبْتٍ ذي قِفافٍ عَقَنْقَل
وغيرها من الأدلة. أمَّا البصريون فلا يُجيزون وقوع الواو مزيدةً، لأن الحروف عندهم (وضعت للمعاني، فذكرها بدون معنى يقتضي مخالفة الوضع، ويورثُ اللَّبْسَ. وأيضًا فإن الحروف وضعت للاختصار نائبة عن الجمل، كالهمزة فإنها نائبة عن (أستَفْهِم)، وزيادتها يُنقِصُ المعنى). الفصول المفيدة، للعلائي: ١٤٧. وتأول البصريون أدلة الكوفيين، وقالوا بأن الواو فيها عاطفة، وأن الجواب محذوفٌ مقدَّرٌ. يقول ابن جني: (فأما أصحابنا فيدفعون هذا التأويل البتَّة، ولا يجِيزون زيادةَ هذه الواو، ويرون أن أجوبة هذه الأشياء محذوفة للعلم بها =

<<  <  ج: ص:  >  >>