للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكرهون القتال ويجادلونك فيه (١).

وهذا الوجه اختيار صاحب النظم، وقد سلك في تحقيق هذا التشبيه طريقًا حسنًا فقال: ظاهر هذا النظم يدل على أنه شبه مجادلتهم في الحق وهو مذموم عنده بإخراج الله تعالى إياه من بيته، وهو غير مذموم لأنه من فعله عز وجل، وإذا كان كذلك فلابد من أن نقدر في التشبيه تحريفًا عن موضعه ويكون التشبيه واقعًا في المعنى الباطن على قوله: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} لأن الذم وقع على كراهة المؤمنين للخروج كما هو واقع على مجادلتهم في الحق، ويكون التقدير: كما كانت كراهتهم لإخراج الله إياك بالحق يجادلونك في الحق بعد ما تبين، ويجوز أن يدخل حرف التشبيه على شيء، والمراد به ما بعده مما هو متعلق به داخل في قصته (٢)، كما نقول في حرف الاستفهام، فإنه يدخل على شيء والمستفهم عنه غيره كقوله عز وجل: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: ٣٤].

والمعنى: أفهم الخالدون إن مت؛ لأن الاستفهام في الحقيقة واقع على [الخلود دون الموت، وفي ظاهر اللفظ وقع على الموت، وكذلك قوله: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ} [آل عمران: ١٤٤] الاستفهام في الحقيقة واقع على الانقلاب، وهو في الظاهر واقع على الموت والقتل، كذلك في هذه الآية دخل حرف التشبيه في الإخراج وهو في الحقيقة واقع


(١) هذا القول رجحه ابن جرير في "تفسيره" ٩/ ١٨٢، والنحاس في "معاني القرآن الكريم" ٣/ ١٣٢، وجعله ابن عطية في تفسيره "المحرر الوجيز" ٦/ ٢٢٠ أحد الوجهين المقبولين في تفسير الآية، والوجه الآخر قول الفراء وأبي إسحاق الذي ذكره المصنف.
(٢) قال الزركشي في "البرهان" ٣/ ٤٢٥: قد تدخل الآداة على شيء؛ وليس هو عين المشبه، ولكنه ملتبس به, واعتمد على فهم المخاطب.

<<  <  ج: ص:  >  >>