وقال الطيبي: أقول -وبالله التوفيق-: لا منافاة بين الحديث والآية؛ وذلك أن التخيير في الحديث وارد على سبيل الاختبار والامتحان، ولله أن يمتحن عباده لما شاء، امتحن الله تعالى أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} الآيتين [الأحزاب: ٢٨، ٢٩]، وامتحن الناس بتعليم السحر في قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: ١٠٢]، وامتحن الناس بالملكين، وجعل المحنة في الكفر والإيمان بأن يقبل العامل تعلم السحر فيكفر، ويؤمن بترك تعلمه، ولعل الله تعالى امتحن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بين أمرين: القتل، والفداء، وأنزل جبريل-عليه السلام- بذلك هل هم يختارون ما فيه رضا الله تعالى من قتل أعدائه، أم يؤثرون العاجلة من قبول الفدية، فلما اختاروا الثاني عوتبوا بقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}. قلت -بعون الله- (القائل علي القاري): إن هذا الجواب غير مقبول؛ لأنه معلول ومدخول؛ فإنه إذا صح التخيير، لم يجز العتاب والتعيير، فضلاً عن العذاب والتعزير، وأما ما ذكره من تخيير أمهات المؤمنين، فليس فيه أنهن لو اخترن الدنيا لعذبن في العقبى ولا في الدنيا، وغايته أنهن يحرمن من مصاحبة المصطفى، لفساد اختيارهن الأدنى بالأعلى، وأما قضية الملكين وقضية تعلم السحر، فنعم امتحان من الله وابتلاء، لكن ليس فيه تخيير لأحد؛ ولهذا قال المفسرون في قوله تعالى: =