للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الأحاديث في أمر أسارى بدر أن أخذ الفداء كان رأيًا رأوه فعوتبوا عليه، ولو كان هناك تخيير بوحي سماوي لم تتوجه المعاتبة عليه، وقد قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} إلى قوله: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وأظهر لهم شأن العاقبة بقتل سبعين منهم بعد غزوة أحد عند نزول قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} [آل عمران: ١٦٥]، وممن نقل عنه هذا التأويل من الصحابة علي -رضي الله عنه- فلعل عليًا ذكر هبوط جبريل في شأن نزول هذه الآية وبيانها، فاشتبه الأمر فيه على بعض الرواة، ومما جرأنا على هذا التقدير سوى ما ذكرناه هو أن الحديث تفرد به يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن سفيان، من بين أصحابه، فلم يروه غيره، والسمع قد يخطئ، والنسيان كثيرًا يطرأ على الإنسان، ثم إن الحديث روي عنه متصلًا وروي عن غيره مرسلاً، فكان ذلك بما يمنع القول بظاهره.
وقال الطيبي: أقول -وبالله التوفيق-: لا منافاة بين الحديث والآية؛ وذلك أن التخيير في الحديث وارد على سبيل الاختبار والامتحان، ولله أن يمتحن عباده لما شاء، امتحن الله تعالى أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} الآيتين [الأحزاب: ٢٨، ٢٩]، وامتحن الناس بتعليم السحر في قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: ١٠٢]، وامتحن الناس بالملكين، وجعل المحنة في الكفر والإيمان بأن يقبل العامل تعلم السحر فيكفر، ويؤمن بترك تعلمه، ولعل الله تعالى امتحن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بين أمرين: القتل، والفداء، وأنزل جبريل-عليه السلام- بذلك هل هم يختارون ما فيه رضا الله تعالى من قتل أعدائه، أم يؤثرون العاجلة من قبول الفدية، فلما اختاروا الثاني عوتبوا بقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}.
قلت -بعون الله- (القائل علي القاري): إن هذا الجواب غير مقبول؛ لأنه معلول ومدخول؛ فإنه إذا صح التخيير، لم يجز العتاب والتعيير، فضلاً عن العذاب والتعزير، وأما ما ذكره من تخيير أمهات المؤمنين، فليس فيه أنهن لو اخترن الدنيا لعذبن في العقبى ولا في الدنيا، وغايته أنهن يحرمن من مصاحبة المصطفى، لفساد اختيارهن الأدنى بالأعلى، وأما قضية الملكين وقضية تعلم السحر، فنعم امتحان من الله وابتلاء، لكن ليس فيه تخيير لأحد؛ ولهذا قال المفسرون في قوله تعالى: =

<<  <  ج: ص:  >  >>