للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا القول اختيار الزجاج؛ قال: يقال سَكَرَتْ عينُهُ تَسكر، إذا تَحَيَّرَتْ وسكنتْ عن النَّظر (١)، وعلى هذا معنى (سُكِّرَتْ أبصارُنا): سكنت عن النظر، ولا يتوجه على هذا القول قراءة من قرأ بالتخفيف.

قال أبو علي الفارسي: معنى {سُكِّرَتْ} صارت بحيث لا ينفذ نورها ولا تُدرِك الأشياءَ على حقيقتها، وكأن معنى التسكير قطع الشيء عن سننه (٢) الجاري، فمن ذلك تسكير الماء؛ هو ردُّهُ عن سيبه (٣) في الجِرْيَة، والسُّكْرُ في الشراب هو: أن يَنْقطع عما كان عليه من المَضاء في حال الصحو، فلا ينفذ رأيُه على حدّ نفاذه في صحوه، وعَبَّروا عن هذا المعنى بقولهم: سَكْرَانُ لا يَبُتُّ (٤)، ووجه التثقيل أن الفعل مسند إلى جماعة، وهو مثل: {مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} [ص: ٥٠]، ووجه التخفيف أن هذا النحو من الفعل المسند إلى الجماعة قد يُخَفّف، كقوله:

ما زِلتُ أُغْلِقُ أبوابًا وأفتحُها (٥)


(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٥ بنحوه، ويبدو أنه نقل قول الزجاج من "تهذيب اللغة" لتطابقه، "تهذيب اللغة" "سكر" ٢/ ١٧١٩ بنصه، "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٦٧.
(٢) في الحجة: (سببه) والصحيح سننه، ولعلها تصحيف من محقق الحجة.
(٣) في جميع النسخ: (سننه)، والمثبت هو الصحيح وموافق لما في الحجة، والسِّيْبُ: مخرج الماء من الوادي، وجمعه سُيُوبٌ، وقد ساب الماء يسيب: إذا جَرَىْ. "تهذيب اللغة" (ساب) ٢/ ١٥٨٤، "المحيط في اللغة" (سيب) ٨/ ٣٩٧.
(٤) معناه: لا يقطع أمراً، وقيل: ما يُبَيِّن كلاماً. انظر: (بن) في: "تهذيب اللغة" ١/ ٢٦٩، "المحيط في اللغة" ٩/ ٤١٥.
(٥) نُسب إلى الفرزدق في كل المصادر ما عدا الحجة وليس في ديوانه، ونسب -في "الحجة" ٣/ ٤٤١ - للراعي النميري، وهو في "ديوانه" ص ٣٣ برواية:
ما زال يفتح أبواباً ويغلقها ... دوني وأفتح باباً بعد ارتاجِ

<<  <  ج: ص:  >  >>