للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهذا التذكير في هذه الأشياء أشَدُّ منه في الأنعام، ومثله كثير (١)، وإنما توَجَّه على معنى هذا الشخص والسواد وكل شيء، فالشيء يَشْرَكُه في اسمه، فالأصل التذكير؛ لأن الشيء مذَكَّر، غير أن الشيء إذا كان تأنيثه حقيقيًّا فلا بد من أن يؤنث في مستقيم الكلام، لا يَحْسُن أن يقول: جَارِيتُك ذهب ولا غلامك ذهبت، بحمله على النَّسْمَة (٢)، وذهب المؤرج في هذا إلى وجه آخر؛ وهو أن الكناية تعود إلى ما في قوله: {مِمَّا فِي بُطُونِهِ} وأضمر اللبن؛ كأنه قيل: نسقيكم مما في بطونه اللبن، {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا} أراد أنه يُسقى من أَيِّها كان ذا لبن؛ لأنه ليس لكلها لبن (٣)، واختار صاحب النظم هذا الوجه وزاده بيانًا فقال: الأنعام يقع على الذكر والأنثى، والصغير والكبير، والحائل (٤) والحامل، وذات الدَّرّ والبِلَى (٥)، فلما ذَكَرَ عز وجل مُجْمَلَه في أول الفصل، وليس الدّرُّ إلا لبعضها؛ مَيَّزَ واختص منها في الخبر ذات الدّر دون سائرها. فقوله: {مِمَّا} مِثْلُ قولك: مِنْ الَّتي، إلا أنه


(١) لم أقف على مصدره.
(٢) النَّسمَةُ: النَّفسُ، والنسمة في العتق: المملوك ذكرًا كان أو أنثى. "المحيط في اللغة" ٨/ ٣٤٥.
(٣) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٩، بنحوه، والطبري ١٤/ ١٣١، بنحوه غير منسوب، وورد في "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢١٧، بنحوه منسوبًا إلى أبي عبيدة عن أبي عبيد، وانظر: "تفسير البغوي" ٥/ ٢٨، و"وضح البرهان" ص ٥٠٧.
(٤) الحائل: التي لا تحمل تلك السنة، حَالتْ تحُولُ حُؤُولاً وحِيَالاً، والمُحْتالة: الحائل من ذوات الحَمْلِ. انظر: "المحيط في اللغة" (حول) ٣/ ٢١٠.
(٥) يقال: ناقة بَلِيَّة: هي التي يموت صاحبها فيحفر لها حفرة وتشدّ رأسها إلى خلفها، وتُبْلَى: أي تترك هناك لا تعلف ولا تسقى حتى تموت جوعًا وعطشًا. انظر: "المحيط في اللغة" (بلى) ١٠/ ٣٥٤، و"اللسان" (بلا) ١/ ٣٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>