(٢) هذا قول بعض أهل العلم. وقال آخرون: يجوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالبًا، كالرقبة والرأس والكفين والقدمين ونحو ذلك، وليس له النظر إلى ما يُستر غالبًا كالصَّدر والظهر ونحو ذلك. ومنع الحسن والشعبي والضحَّاك النظر إلى شعر ذوات المحارم. وكرهه آخرون. قال ابن قدامة: والصحيح أنه يباح النظر إلى ما يظهر غالبًا، لقول الله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: ٣١] الآية، وقالت سهلة بنت سهيل: يا رسول الله، إنَّا كنا نرى سَالِمَا ولدًا، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد، ويراني فضلاً، وقد أنزل الله فيهم ما علمت، فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أرْضِعيه". فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها. رواه أبو داود وغيره. وهذا دليل على أنه كان ينظر منها إلى ما يظهر غالبًا، فإنها قالت: يراني فُضلاً، ومعناه: في ثياب البِذْلة التي لا تستر أطرافها .. وما لا يظهر غالبًا لا يباح، لأنَّ الحاجة لا تدعو إلى نظره، ولا تؤمن معه الشهوة ومواقعة المحظور، فحرّم النظر إليه كما تحت السَّرة. انتهى كلامه. انظر: "أحكام القرآن" للجصَّاص ٣/ ٣١٧، "الحاوي" ٢/ ١٧١ - ١٧٢، "المغني" ٩/ ٤٩١ - ٤٩٣، "روضة الطالبين" ١/ ٢٨٣. (٣) هذا قول أصحاب الشافعي وغيرهم. وقال آخرون: الأمة يباح النظر منها للأجانب إلى ما يظهر غالبًا كالوجه والرأس واليدين والساقين، لأن عمر رأى أمة متقعنة، فضربها بالدِّرّة، وقال يا لكاع تتشبهين بالحرائر. وروى أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أخذ صفية قال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين، أو مما ملكت يمينه؟ فقالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه. فلما ارتحل وطَّأ لها خلفه ومدَّ الحجاب بينهما وبين الناس. رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: النكاح- باب: اتخاذ السراري، ومن أعتق جارية ثم تزوجها ٩/ ١٢٦. قال ابن قدامة: وهذا دليل على أن عدم حجب الإماء كان مستفيضًا بينهم مشهورًا، وأنَّ الحجب لغيرهن كان معلومًا. وسوَّى بعض الحنابلة بين الحرَّة والأمة لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} ولأن العلّة في تحريم النظر الخوف من الفتنة، والفتنة المخوفة تستوي فيها الحرة والأمة. انظر: "أحكام القرآن" للجصَّاص ٣/ ٣١٧، "الحاوي" ٢/ ١٧٢، "المغني" ٩/ ٥٠١، "روضة الطالبين" ١/ ٢٨٣.