للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذه الحروف، أعني: لكنّ، وإن، وأن، وكأنَّ حروف تستعمل مخففة ومثقلة، فإذا استعملت مثقلة كانت عاملة في الأسماء، وعملها النصب (١)، والعلة في ذلك: أنها إذا كانت مشدّدة كانت مفتوحة الأواخر، وفتحةُ أواخرِها ألحقتها في المشابهة بالأفعال الماضية، والأفعال عاملةٌ في الأسماء، فإذا استعملت مخففة باينتها تلك الصفة التي ألحقتها في المشابهة بالأفعال، فالقياس أن لا تعمل لزوال المعنى الذي به كان يعمل (٢).

وقال الكسائي: الذي يختار العرب والذي هو وجه الكلام عندنا إذا كانت (لكن) وحدها بغير واو كان التخفيف أحسن، وإذا كانت بالواو كانت بالتشديد، وبهذا قرئ أكثر ما في القرآن كقوله: {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: ٣٣] {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الأنعام: ٣٧]. وبغير الواو كقوله: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ} [النساء: ١٦٦]، {لَكِنِ الرَّسُولُ} [التوبة: ٨٨] {لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ} [مريم: ٣٨].

وقال الفراء: إذا ألقيت من ولكن الواو آثرت العرب تخفيفَ نونها، وإذا دخلت الواو آثروا تشديدَها، وإنما فعلوا ذلك؛ لأنها رجوع عما أصاب أول الكلام، فشبهت بـ "بل"، إذ كانت رجوعًا مثلها، ألا ترى أنك تقول: لم يقم أخوك بل أبوك، ثم تقول: لم يقم أخوك لكن أبوك، فتراهما في معنى واحد، والواو لا تصلح في بل.

فإذا قالوا: ولكن فأدخلوا الواو تباعدت من بل، إذ لم تصلح الواو في بل، فآثروا فيها تشديد النون، وجعلوا الواو كأنها دخلت لعطف لا بمعنى بل (٣)، وأصلها: أن دخلت عليها لا وكاف الخطاب، فصارنا


(١) ينظر: "اللسان" ٧/ ٤٠٧٠ (مادة: لكن)، و"مغني اللبيب" ١/ ٢٩٠ - ٢٩٢.
(٢) ينظر: "الحجة" ٢/ ١٧٠ - ١٧٧، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٦١، "المجيد في إعراب القرآن المجيد" ص ٣٥٩.
(٣) بل ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>