للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[جَوَّز الشرع بيع المعدوم في بعض المواضع]

الوجه الثاني: أن نقول: بل الشرع صحَّح بيع المعدوم في بعض المواضع؛ فإنه أجاز بيع الثمر بعد بُدُوِّ صلاحه والحبِّ بعد اشتداده (١)، ومعلومٌ أن العقدَ إنما ورد على الموجود والمعدوم الذي لم يُخلق (٢) بعد، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيعه قبل بدوّ صلاحه، وأباحه بعد بدو الصلاح، ومعلوم أنه إذا اشتراه قبل الصَّلاح بشرط القَطْع كالحصرم جاز، فإنما نُهي عن بيعه إذا كان قصدهُ التَّبْقِية إلى الصلاح (٣)، ومن جوّز بيعه قبل الصلاح وبعده بشرط القطع أو مطلقًا وجعل موجب العقد القطع، وحرم بيعه بشرط التبقية أو مطلقًا؛ لم يكن عنده (٤) لظهور الصلاح فائدة، ولم يكن فرق بين ما نُهي عنه من ذلك وما أُذن فيه؛ فإنه يقول: موجب العقد التسليم في الحال، فلا يجوز شرط تأخيره سواء بدا صلاحُه أو لم يُبد.

[[الصواب في المسألة]]

والصواب قول الجمهور الذي دلت عليه سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والقياسُ الصحيح.


(١) رواه أحمد (٣/ ٢٢١، ٢٥٠)، وابن أبي شيبة (٧/ ١١٦)، وأبو داود (٣٣٧١) في (البيوع): باب ما جاء في كراهية بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، والترمذي (١٢٢٨) في (البيوع): باب ما جاء في كراهية بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وابن ماجه (٢٢١٧) في (التجارات): باب النهي عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، وأبو يعلى (٣٧٤٤)، وابن حبان (٤٩٩٣)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٤/ ٢٤)، والدارقطني (٣/ ٤٧ - ٤٨)، والحاكم (٢/ ١٩)، والبيهقي (٥/ ٣٠١) من طرق عن حماد بن سلمة عن حميد عن أنس، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع العنب حتى يسوَدَّ، وعن بيع الحب حتى يشتدَّ.
وقال الترمذي: حسن غريب.
وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وفي النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها دون قوله والحب حتى يشتد أحاديث في "الصحيحين" منها: حديث ابن عمر، رواه البخاري (١٤٨٦ و ٢١٩٤)، ومسلم (١٥٣٤)، وحديث أنس رواه البخاري (١٤٨٨ و ٢١٨٩ و ٢١٩٦ و ٢٣٨١)، ومسلم (١٥٥٥).
وعن جابر رواه البخاري (١٤٨٧، ٢١٨٩، ٢١٩٦، ٢٣٨١)، ومسلم (١٥٣٦).
(٢) في (ك) و (ق): "يوجد".
(٣) انظر: "تهذيب سنن أبي داود" (٥/ ١٥٤ - ١٥٥)، و"زاد المعاد" (٤/ ٢٦٢) كلاهما لابن القيم -رحمه اللَّه-.
(٤) في (ن): "عقده".

<<  <  ج: ص:  >  >>