للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشروط، وإنما يرتبط به، والارتباط أعم من السابق والمقارن والمتأخر، والأعم لا يستلزم الأخص.

ونكتة الفرق: أن الإيقاع موجِبٌ للوقوع؛ فلا يجوز أن يسبقه أثره وموجبه، والشرط علامة على المشروط؛ فيجوز أن يكون قبله وبعده، فوِزانُ الشرط وزِانُ الدليل، ووزانُ الإيقاع وزانُ العلة، فافترقا.

وأما قولكم: "إن هذا التعليق يتضمن المُحَالَ إلى آخره" فجوابه أن هذا التعليق تضمن شرطًا ومشروطًا، وقد تعقد القضية الشرطية في ذلك للوقوع، وقد تعقد للإبطال؛ فلا يوجد فيها الشرط ولا الجزاء، بل تعليق (١) ممتنع بممتنع، فتصدق الشرطية وإن انتفى كلٌّ من جزئيها، كما تقول: "لو كان مع اللَّه إلهٌ آخر لفسد العالم"، وكما في قوله: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة: ١١٦] ومعلوم أنه لم يقله ولم يعلمه اللَّه، وهكذا قوله: "إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثًا" فقضيةٌ عقدت لامتناع وقوع طرفيها، وهما المنجز والمعلق.

[[طلاقان يسبق أحدهما الآخر]]

ثم نذكر في ذلك قياسًا [آخر] (٢) حَرَّره الشيخ أبو إسحاق رحمه اللَّه تعالى، فقال: طلاقان متعارضان يسبق أحدهما الآخر؛ فوجب أن ينفي السابقُ منهما المتأخر. نظيره أن يقول لامرأته: "إن قَدِم زيد فأنت طالق ثلاثًا (٣)، وإن قدم عمرو (٤) فأنت طالقٌ طلقة، فقدم زيد بُكرةً وعمرو عشيةً (٥). ونكتة المسألة أنَّا لو أوقعنا الطلاق المباشر لزمنا أن نوقع قبله ثلاثًا ولو أوقعنا قبله ثلاثًا لامتنع وقوعه في نفسه؛ فقد أدى الحكم بوقوعه إلى الحكم بعدم وقوعه، فلا يقع.

[عود إلى رد السُّريجيين]

وقولكم: "إن هذه اليمين تُفْضِي إلى سد باب الطلاق، وذلك تغيير [لشرع اللَّه] (٦)؛ فإن اللَّه مَلكَ الزوجَ الطلاق رحمة به -إلى آخره" جوابه أن هذا ليس فيه تغيير للشرع، وإنما هو إتيانٌ بالسبب الذي ضيَّق به على نفسه ما وسعه اللَّه عليه، وهو هذه اليمين، وهذا ليس تغييرًا للشرع. ألا ترى أن اللَّه تعالى وَسَّع عليه


(١) في (ق) و (ك): "تعلق".
(٢) سقط من (ق).
(٣) في (ن) و (ق): "فأنت طالق قبله ثلاثًا".
(٤) في (ك) و (ق): "عمر".
(٥) انظر: "المهذب" (٢/ ٩٢ - ٩٣).
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>