للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا كثير جدًا، والمقصود أن التقليد حَكَم عليكم بذلك، وقادكم إليه قهرًا، ولو حكَّمتم الدليلَ على التقليد لم تقعوا في مثل هذا؛ فإن هذه الأحاديث إن كانت حقًا وجب الانقياد لها، والأخذ بما فيها، وإن لم تكن صحيحةً لم يؤخذ بشيء مما فيها، فأما أن تُصحح ويُؤخذ بها فيما وافق قول المتبوع، وتضعف أو ترد إذا خالفت قوله، أو تؤول؛ فهذا من أعظم الخطأ والتناقض.

فإن قلتم: عارض ما خالفناه منها ما هو أقوى منه، ولم يُعارض ما وافقناه منها ما يوجب العدول عنه وإطراحه.

قيل: لا تخلو هذه الأحاديث وأمثالها أن تكون منسوخة أو محكمة، فإن كانت منسوخة لم يُحتج بمنسوخٍ ألبتة، وإن كانت محكمة لم يجز مخالفة شيء منها ألبتة.

فإن قيل: هي منسوخة فيما خالفناها فيه، ومحكمة فيما وافقناها فيه.

قيل: هذا مع أنه ظاهر البطلان يتضمن ما (١) لا علم لمدَّعيه به، قائل ما لا دليل عليه (٢)، فأقَلُّ ما فيه أن مُعارضًا لو قلب عليه هذه الدعوى بمثلها سواء لكانت دعواه من جنس دعواه، ولم يكن بينهما فرق، [ولا فرق] (٣)، وكلاهما مدع ما لا يمكنه إثباته؛ فالواجب اتِّباع سنن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وتحكيمها والتحاكم إليها حتى يقوم الدليل القاطع على نسْخ المنسوخ منها، أو تُجمع الأمة على العمل بخلاف شيء منها، وهذا الثاني محال قطعًا؛ فإن الأمة وللَّه الحمد لم تجمع على ترك العمل بسنة واحدة، إلا سنة ظاهرة النسخ معلوم للأمة ناسخها، وحينئذ يتعين العمل بالناسخ دون المنسوخ، وأما أن تُترك السنن لقول أحدٍ من الناس فلا، كائنًا من كان، وباللَّه التوفيق.

[خالف المقلدون أمر اللَّه ورسوله وأئمتهم]

الوجه العشرون: أن فرقة التقليد قد ارتكبت مخالفة أمر اللَّه وأمر رسوله وهدي أصحابه وأحوال أئمتهم، وسلكوا ضد طريق أهل العلم، أما أَمرُ اللَّه فإنه أمر برد ما تنازع فيه المسلمون إليه وإلى رسوله، والمقلدون قالوا: إنما نرده إلى


(١) في (ك): "لما".
(٢) في المطبوع: "فمدعيه قائل ما لا دليل له عليه"، وفي (ط): "فهو قائل ما لا دليل له عليه".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>